{النوبة}... التراث وذاكرة المكان في معرض تشكيلي بالقاهرة
برعاية د. صلاح المليجي، رئيس قطاع الفنون التشكيلية المصرية، افتتح في مركز سعد زغلول الثقافي معرض {النوبة ... بلاد الذهب} للفنان إيهاب لطفي، ضم لوحات تحتفي بالتراث وذاكرة المكان، في حضور لفيف من النقاد ومحبي الفنون الجميلة.
تجربة إيهاب لطفي التشكيلية مع التراث النوبي تمتد إلى خمسة معارض فردية: {إبحار} (2007)، {نوبة} (2008)، {فنون مصرية} (2009)، {نوبة} (2010)، ومعرضه الأخير {النوبة... بلاد الذهب}.يوضح لطفي أن تراث النوبة ممتد منذ آلاف السنين، وعبر أجيال حافظت على تراث الأسلاف، وحضارة تجري من الجنوب إلى الشمال مع نهر النيل، تجلت في الفنون كالشعر والأغاني والنحت ورسوم المعابد.
بلاد الذهبانطلقت لوحات لطفي من عشق للتراث الجنوبي، ودلالة «بلاد الذهب» في وجدان أهل النوبة، وتضحياتهم النبيلة في حقبة الستينيات، وهجرتهم من منطقة بناء السد العالي، وأحلامهم بالعودة إلى أرض السلام والمحبة. أشاد الحضور بلوحات «النوبة.. بلاد الذهب»، وتفاعل الفنان مع ملامح التراث الجنوبي، وتجربته الإبداعية التي بدأها قبل ثماني سنوات، وتناوله لخصوصية المكان وجمالياته الموحية بنبع الحضارة المصرية.ضم المعرض مجموعة من أعمال الفنان السابقة عن «النوبة» وأهلها وتراثها، ولوحات حديثة بالأبيض والأسود، واسكتشات عبرت عن عشقه لتراث الجنوب المصري، وذاكرة مكان يحمل أصداء أزمنة فائتة.وعبرت لوحات «الأبيض والأسود» عن طابع زمني للمكان، واستعادة أصداء الحياة في القرى النوبية، وطقوس الفرح والتقاليد الراسخة، وتجاور المنازل بواجهاتها البيضاء، والمتناغمة مع الزي الخاص للرجال، والقلوب المفعمة بالنقاء.وزخرت اللوحات بمفردات البيئة الجنوبية، وإشراقة لونية موحية بشموخ المكان، واحتفاظ بلاد «النوبة» بخصائصها التراثية، وجدلية الإنسان والنهر، وسطوع اللون الأبيض وتناغمه مع النقاء والطبيعة البكر.احتفى لطفي بجماليات الموروث المعماري، وتشكلت لوحات عدة بالأبيض والأسود، منها لوحة «منزل نوبي» بواجهته وقبائه المتفردة، وأبوابه ونوافذه ذات الزخارف الوثيقة الصلة بتراث الفن العربي.وتثير لوحة «المراكب» مخيلة الرائي، وإدراك زمن تلك اللقطة المراوغة، وهل هي لحظات الرسو بعد عودة أم تأهب الانطلاق إلى فضاءات بعيدة، ورمزية وشائج أشرعة السفن، واكتشاف أصالة تاريخ بين إنسان الجنوب والنهر، ممتد منذ آلاف السنين تمازجت الألوان بطاقة شعورية، وقدرة على التقاط ثنائية «الحزن والفرح»، وملامح الحياة في «النوبة»، والحراك الإنساني المتشبث بقيم أصيلة، وطقوس وأهازيج ضاربة بجذورها إلى بواكير الحضارة المصرية القديمة.مزج لطفي بين التجريدية والتعبيرية، واستلهم منجز الفنانين الأسلاف، ورموز دالة على خصائص حضارية كالأهرامات الثلاثة، وملامح الوجوه الفرعونية، وانسيابية حركة الشخوص الصاعدة إلى فضاء جبلي.موروث ثقافيعلى هامش المعرض، تحدث الفنان إيهاب لطفي عن تجربته الإبداعية في ندوة {النوبة... القضية والتراث}، وتناول الحضور قضايا أهل النوبة، وملامح تراثها وموروثها الثقافي الممتد من آلاف السنين.تعد {النوبة} فضاء ملهماً للإبداع، يرتحل إليها فنانون تشكيليون، ويجسد المثالون من صخورها أعمالهم، ويرصدون قسمات الوجوه الطيبة، وملامح حياة لم تستجب لإغراءات {التمدن}، واحتفظت بأصالتها على مر العصور.يُذكر أن الفنان إيهاب لطفي أحد الوجوه التشكيلية المتميزة، وله معارض فردية وجماعية داخل مصر وخارجها، ومقتنيات خاصة في مصر وفرنسا وأميركا وإنكلترا، وديوان {عسير} بالسعودية.وتميزت أعمال لطفي بتوثيق الحياة المصرية والعربية، والاستفادة من اختصاصه في فن الديكور، وانحيازه إلى الأشكال التراثية في تصميم المنزل العربي، ودعوته المستمرة إلى رفض المغالاة في الانبهار بالنموذج الغربي.انطبعت لوحاته بشغف التواصل مع الموروث الثقافي، والانفتاح على التيارات الفنية الحديثة، والمزج بين الأصالة والمعاصرة، وعدم إقصاء منجز الأسلاف، معتبراً أن الفن التشكيلي بوتقة انصهار بين ذات الفنان وخصائص بيئته.وللفنان ارتحالات إلى فضاءات تراثية، تجلت في معارضه السابقة، ومنها :}واحات مائية}، {ظلال} و}نخيل}، وشارك في ملتقى {جسر} مع فنانين من السعودية ومصر.ومنذ معرضه الأول {اسكتشات} 1990، توثقت صلة الفنان إيهاب لطفي بالتراث المصري والعربي، واستلهام فنونه المختلفة، والتواصل عبر فعاليات تشكيلية مع زملائه من الفنانين العرب، والتعرف إلى وشائج الموروث الثقافي في دول عربية عدة.