سارة النمس : أعجنُ قبيلةً من الرجال لأحصل على شخصية أكتبُها
سارة النمس قاصة وروائية جزائرية شابة، تكتب بلغة رصينة مباشرة بلا إيديولوجيا ولها خلفياتها الأدبية، أصدرت رواية بعنوان {الحب بنكهة جزائرية} ومجموعة قصصية بعنوان {الدخلاء}، وتستعد لإصدار رواية جديدة.
هل ما زلت متأرجحة بين كتابة القصة القصيرة والرواية أم اتخذتِ قرارك بالاعتماد على جنس أدبي واحد؟
في عالمِ الكتابة لا أعتقد أنّ المرء يتخذُ مثل هذه القرارات، بأن يقيّد نفسه بجنس أدبي معيّن إلاّ إذا كان لا يتقن كتابته، هي مسألةُ الإبداع أو اللاإبداع، لذلك إن سألتني كيف تصنفين نفسكِ؟ سأكتفي بالقولِ إنني كاتبة، أدوّن كلماتي في قالب نثري، بدأتُ كروائية عندما نشرتُ روايتي {الحب بنكهة جزائرية}، ثمّ مجموعة قصصية بعنوان {الدخلاء} وقد تستغرب أنّ القصص طويلة تتألف أقصـرها من عشر صفحات، قيل لي لكِ نفس روائي وتمّ نُصحي بالاهتمام بالرواية والتركيز على عالمها وفنياتها، لكن لا يعني ذلك أني سأهجر القصة، أعدّ كتابة القصص تمرينات أمّرنُ عليها أصابعي، وأنفس بها عن بعض الأفكار الصغيرة. أيهما أكثر صعوبة بالنسبة إليك، كتابة السرد الروائي أم التكثيف في القصة القصيرة؟ قد لا أجدُ صعوبة في كتابة رواية كاملة، وأضعف أمامَ قصة قصيرة، تبقى فكرتها سجينةً تتخبط بين جدران عقلي، تعجز أصابعي عن فكّ أسرها، أعتقد أنّ الصعوبة تكمن في مواجهة الفكرة ذاتها والانصياع لها سواء كانت فكرة رواية أو قصة قصيرة، وليس التقنية. للرواية فنياتها، وللقصة القصيرة فنياتها أيضاً، على الكاتب أن يتخلص من ملامح الروائي وهو يكتبُ القصة وإلاّ سيُعدمها، وعلى القاص أن يمنحَ الرواية حقها في السرد وإلاّ ظلّ أسير فضاءٍ قصصي، وخلق شخوص غامضة ومشوهة، فيخرج القارئ من الكتاب من دون أن يتعرف إليها أو يتجاوب معها. هل أخذت روايتك {الحب بنكهة جزائرية} حقها في النقد، أم أنها لم توزع بشكل جيد وبالتالي لم يتم تداولها بين القراء؟ كان يكفيني أن أرى نسخةً واحدةً من رواية {الحب بنكهة جزائرية} لأنطلقَ، كنتُ بحاجة لأن أتصفحها كقارئة وليس ككاتبة، لأقرأ على الورق قصة أنا كتبتها، وأؤمن أنّ لي قصصاً تروى، الموضوع كان تحدياً، واجهتُ صعوبات كثيرة فكان مخاضها عسيراً، الموضوع كان أكبر من فكرة نشر، ولكن رغبة تشبه الرغبة في الإنجاب، لذلك بوسعك أن تقول إنّها لم تأخذ حقها تماماً ولكن هذا لم يكن محبطاً، فالطبعة الأولى قرأها الأصدقاء والصديقات من داخل الوسط الأدبي وخارجه، أمّا التوزيع فكان محلياً، ما زال ثمة أمل بأن تصل الرواية إلى القراء، والنقاد. روايات كثيرة تمت قراءتها بعد عقدٍ، أو حتى قرنٍ من كتابتها، وروايات أخرى كتِبت ولم يقرأها أحد. يحضر الرجل بقوة في قصصك ونصوصك ويظهر ذلك أنك آتية من خلفية ثقافية غنية، والسؤال هنا هل تخاطبين الرجل من منطلق قصصي خيالي أم تحملين أفكاراً {نسوية}؟ يحضر الواقع كما يحضرُ الخيال، ويحضر الرجل كما تحضرُ المرأة، أكتبُ الإنسان بلا تعصب لهويتي الأنثوية، لكن في الوقتِ ذاته لا يمكنني أن أتبرأ من أفكارٍ نسوية أحملها لأني امرأة بالنهاية، أحمل همّها وأدافعُ عن قضاياها الإنسانية وليس النسوية، بالنسبة إلى نقطة مخاطبة الرجل من منطلق قصصي خيالي، لا بدّ من تجارب واقعية حتى وأنا أخاطب رجلاً من ورق، والرجالُ حولي في كلّ مكان، قد أعجنُ قبيلة من الرجال لأحصل على شخصية أكتبُها. ما هي الخلفيات الثقافية الروائية والقصصية التي اتيت منها إلى الكتابة؟ أتيتُ إلى الكتابةِ من عالمي أنا، أثناء سنواتِ مراهقتي لم أكن أكتُب لأنجز مجموعة مشاريع للنشر، ولكن لأخلقَ عالماً خاصاً بي، أعيشُه كما أشتهيه، كلّما انتهيتُ من كتابة قصة شعرتُ أنني انتهيتُ من عيشِ حياة لأبدأ أخرى، أمّا كخلفية ثقافية، كنتُ منفتحة دائماً وجاهزة لقراءة أيّ كتاب، طالما أحببت أن أتعرف إلى ثقافات مختلفة، من حسنِ حظّي أنّ من وضع اللبنة الأولى كان جبران خليل جبران، الذي افتتنتُ بكلّ حكمة قالها، بكل قصة كتبها، كل رسالة، تعلّمتُ منه كيفَ أدافعُ عن الإنسان، ثمّ غسان كنفاني الذي تعلّمتُ منه كيفَ أدافعُ عن الأرض، غادة السمان تعلّمتُ منها كيفَ أدافعُ بشراسة عن الكلمة. من هم أباؤك في الرواية الجزائرية؟كتلميذة تلّقت تعليمها في مدارس جزائرية فتحتُ عينيّ على نصوص محمد ديب، صاحب رواية {الحريق}، كتبها بالفرنسية وكنّا نقرأها مرة مترجمة إلى العربية ومرة بالفرنسية، تلك النصوص الثورية كانت حلقة تربطنا بزمن لم نعشه، هو زمن الثورة الجزائرية التي لم نسمع عنها سوى من الأجداد، لذلك وأنا أعود بذاكرتي إلى القراءات الأولى، أدرك كم كان الروائي موهوباً في سرقتنا كقرّاء، كلّما كان الصمتُ يسودُ في القسم، ينغمسُ كل التلاميذ في الأحداث كأنّنا داخلها، لذلك بوسعي أن أقول إنه أحد آباء الرواية الجزائرية، لاحقاً بدأتُ أقرأ للطاهر وطار، أحد أعمدة الرواية الجزائرية، كذلك الحبيب السايح الذي تنبض رواياته كلّها بقلب جزائري حتى وهو يستحدث تقنيات السرد كل مرة، السعيد بوطاجين كاتب لا يشبهُ غيره، أحلام مستغانمي فتحت من خلال {ذاكرة الجسد} الأبواب للمشارقة حتى يتعرفوا إلى الجزائر وقسنطينة، ولينفضوا الغبار عن أرشيف الثورة الجزائرية، فضيلة الفاروق كانت وما زالت أكثر الكاتبات جرأة في طرح أي قضية تدور في رأسها. وغيرهم وغيرهن. هل يقف الحجاب أو الزي الديني عائقاً أمام حرية التعبير في مسيرتك الكتابية؟ كان ليقفَ عائقاً لو أنّي أفكّر بهِ، وإن كنتُ سأفكّر في كل العوائق لن أكتبَ حرفاً، الدين لم يكن عائقاً أمام حرية التعبير في مسيرتي الكتابية، لأني لستُ بصدد كتابة سيرتي الذاتية لأعبر عن قناعاتي الدينية، أنا أكتُب قصصاً وروايات، والدين قد يكونُ جزءاً من حياة الأبطال والشخصيات، ليست بطلة كل قصة تشبهني، ولستُ أشبه كل بطلة أكتبها، وإن نفختُ فيها بعضاً من روحي، قد يكونُ البطلُ ملحداً كما قد يكونُ مؤمناً، قد تكونُ البطلة راهبة، كما قد تكون عاهرة، لذلك لا علاقة لحجابي بتفاصيل ما أكتبه. وماذا يقول لك القارئ حين يجدك جريئة وأنت ترتدين الحجاب؟لا أستغربُ طرحَ هذا السؤال وبعض القراء يُنصّبون أنفسهم قضاة ليحاكموا الكاتب على ما يكتبه، ويتهمونه بأحداث القصة أو الرواية بدلاً من الانغماس فيها والاستمتاع بها كأي قارئ في العالم، هناكَ دائماً فرق بين السيرة الذاتية والقصة أو الرواية، وإلاّ لماذا سمّيت قصة؟ أعتقد لكل قارئ انطباعه الخاص به، هذا يتوقف على مدى وعيه ومن أي زاوية يرى إيجابية أو سلبية هذه الجرأة، لكن عموماً انطباعات القارئ لا تقلقني، لأنه عندما يفتحُ الكتاب لا يجدُ نفسه أمامي بل في حضرةِ بطلةٍ أخرى بكل تفاصيلها. - هل ساعدك الـ {فايسبوك} في الانتشار عربياً؟ليس في الانتشار عربياً كما تعبّر الجملة، ولكن الـ {فيسبوك} ساعدني على التواصل، وتكوين صداقات فكرية، تبادل ملاحظات نقدية، واستقبال انطباعات القراء عمّا أكتبه، التعرف إلى نقاد وأدباء ربما لم أحلم بلقائهم في ظروف أخرى وفي ظلّ بعد المسافة.