استطاع المخرج مروان حامد إثبات قدراته الإخراجية عبر عدد قليل من الأعمال السينمائية والكبيرة في الوقت نفسه، والتي كان فيها على قدر مسؤولية تنفيذها، وتقديمها برؤية إخراجية متميزة، وملائمة للمضمون، إلى جانب اهتمامه باستعراض المشاعر الإنسانية، فنجح في الفوز بإعجاب المشاهدين. مروان قرر العودة إلى السينما بفيلم «الفيل الأزرق» المأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب أحمد مراد.

Ad

 حول هذه التجربة، وأبرز الصعوبات التي واجهته فيها، والصورة الذهنية عن الأعمال السينمائية المأخوذة عن الأدب كان معه هذا اللقاء.

من بين روايات وقصص عدة قرأتها خلال فترة غيابك عن كاميرا السينما منذ أن قدمت «إبراهيم الأبيض»، ما الذي جذبك في «الفيل الأزرق»؟

تدفعني الشخصيات في العمل إلى قبول مشروع سينمائي أو رفضه، سواء كان نصاً أدبياً أو قصة عادية. والحقيقة أن رواية «الفيل الأزرق» تتضمن أكثر من جانب؛ فالشخصيات مواصفاتها درامية جذابة للغاية، إلى جانب التشويق في الأحداث، والعوالم الجديدة المرتبطة بالخيال، وهي بالتأكيد مواصفات سينمائية تصلح لصناعة فيلم يتضمن قدراً كبيراً من الجماهيرية.

ماذا كان انطباعك الأول عن شخصيات الرواية؟

تعاطفت مع شخصية

«د. يحيى راشد» عندما قرأتها، وفي الوقت ذاته كان لدي فضول نحو «شريف الكردي». ولكن تستهويني الشخصيات الغامضة، وأراها المميزة على الشاشة مثل «شريف الكردي».

ألم تخشى أن تؤثر الأحداث الجارية على نفسية المشاهد وتدفعه إلى الانصراف عن متابعة عمل مأخوذ عن نص أدبي؟

ثمة خلفية ذهنية لدى الصانعين والمتفرجين تقول بإن الفيلم المأخوذ عن نص أدبي سيأتي بطيئاً ومملاً وليس تجارياً، وهذه الفكرة خاطئة تماماً لأن الأدب هو المصدر الرئيس للقصص في السينما العالمية، فضلاً عن أن ثمة فارقاً كبيراً بين النص الأدبي وبين النص السينمائي، وبينهما مرحلة تسمى «المعالجة»، وهي التي تحافظ على الشكل السينمائي بما فيه إيقاع وتصنيف، وغير ذلك.

كيف وجدت ذلك مع «الفيل الأزرق»؟

كم التشويق الموجود فيها يجعلها تصلح لأن تكون عملاً سينمائياً جيداً، لذا لم أتخوف من ذلك على الإطلاق، والأمر بعيد تماماً عن أن المشاهد سيشعر بالملل أو ببطء الأحداث، بل إنها تتدافع، وتزداد حدة باكتشاف مزيد من الحقائق حول الشخصيات.

كيف اخترت فريق العمل؟

اختيار الفريق مبني على فكرة الثنائيات، وبالتالي كان عليّ اختيار ثنائي متفاهم تفادياً لأي مشاكل. لدى كريم عبد العزيز وخالد الصاوي تجارب سابقة مع بعضهما البعض ساعدت على وجود نسبة تفاهم كبيرة بينهما، إلى جانب توافر الانسجام الكبير بينهما والذي دفعهما إلى الحرص على تقديم أفضل ما لديهما في الفيلم.

لماذا كريم عبد العزيز تحديداً؟

لأنني شعرت به في جزئية معينة في شخصية «يحيى راشد»، ومن معرفتي بكريم في مرحلة ما من تاريخه أعلم أنه يبحث عن أدوار مختلفة، وحينما تابعت علاقة «يحيى» بابنته، والتي يمكن تسميتها بالمنطقة السوداء في شخصيته بماضيه المؤلم تخيلته في هذا الدور، وفوراً تحدثت إلى كاتب الرواية أحمد مراد، وأخبرته باختياري. الدور بمثابة تحد كبير له جاء في مكانه المناسب.

بالنسبة إلى خالد الصاوي؟

جمعتني به تجربة سينمائية سابقة في فيلم «عمارة يعقوبيان»، والحقيقة أنه ممثل جريء جداً، ويسير وفق منهج علمي، فشخصية «شريف الكردي» بسهولة شديدة قد يسيء الممثل استخدامها لأنها تحتوي على حرية واسعة، ومجالات وخيالات كثيرة، من دون خطوط واضحة وصريحة.

هل استطاع الصاوي الحرص على مساحة هذه الشخصية؟

بالطبع؛ من معرفتي بخالد أعلم أنه أحد الممثلين الذين لديهم القدرة على التنقل بين شخصية وبين شخصية أخرى من دون أن يشعر المشاهد بأنها تشبه مثيلتها، فمثلا ضابط مسلسل «أهل كايرو» مختلف عن ضابط فيلم «الجزيرة»، هذا إلى جانب التفاهم الكبير بيننا، لذا فهو اختياري الأول للدور. حتى إنني عندما علمت بتعاقده على تصوير أعمال أخرى انتظرته، حرصاً على أن يقدم هو هذه الشخصية.

مدة الفيلم أكثر من ساعتين ونصف الساعة. لماذا لم تحذف المشاهد الأقل أهمية حفاظًا على درجة اندماج المتفرج بالعمل من دون شعوره بالمط أو التطويل؟

الأساس في العمل السينمائي عموماً أن يخرج المشاهد من القاعة مدركاً جيداً للأحداث وتطوراتها وأسبابها، وكانت أكبر مشكلة لدينا أن يتعرض لعكس ذلك، لا سيما أن حبكة القصة معقدة، والشخصيات لها أبعاد مختلفة، والعلاقات متسببة. بالتالي، الإيقاع المناسب لهذه الفكرة متعلق بأن الجماهير تفهم وتشعر، لذا إن قصرت في مدته بحذف مشاهد منه، سيشعر المشاهد بخلل كبير، لا سيما أن كل المتواجدين داخل قاعات السينما مختلفون وليست لديهم القدرة نفسها على استيعاب معلومات كثيرة يتضمنها النص.

لكن شعر البعض بشيء من المط في العلاقة بين «يحيى» و{لبنى»؟

لهذه الجزئية الخاصة بالمشاعر ضرورة كبيرة في ضبط إيقاع الفيلم، والتنقل بين مناطق وأخرى، خصوصاً أن العمل ليس قائماً على مجرد المشاهدة، وإنما يدعو المشاهد إلى الاشتباك مع أحداثه، محاولًا حل اللغز، لذا يتوجب الفصل بمناطق بها ألفة، يرتاح خلالها من الغموض، وفي الوقت نفسه حتى يتعاطف مع «يحيى» الذي لديه المقومات كافة التي لا تجعلنا نتعاطف معه بتاريخه وأخلاقه وماضيه الذي يندم عليه، لذا توجب التعرض لشخصيته بعمق حتى يشعر به المشاهد.

لماذا تم اتباع طريقة التصوير البطيء في بعض المشاهد؟

سيجد المتابع هذه الطريقة مرتبطة بعدد قليل من المشاهد، والغرض منها إيقاف الزمن عند لحظات معينة، وإطالتها على الشاشة بقدر الإمكان، لإعطاء إحساس نفسي، مثل ظهور «لبنى» ومقابلتها «يحيى» بعد غياب عشر سنوات، وبالتالي فإن لهذه اللحظة النفسية إحساساً مختلفاً.

لماذا تم تصوير بعض المشاهد بطريقة الزاوية المائلة؟

اتفقت في البداية مع مدير التصوير أحمد المرسي على منهج معين في التصوير، له أسبابه الدرامية في كل مشهد، والقرار يأتي في بعض الأحيان لحظياً، مثلا اقتراح بهبوط الكاميرا قليلًا خلال مشهد ما لإضافة نقطة معينة في الإطار، أو استخدام زاوية مائلة مثل مشهد دخول «يحيى» إلى عنبر «8 غرب» في مستشفى العباسية للأمراض النفسية، وظهر فيه كريم بأنه صغير، مقارنة بحجم المكان، للإيحاء بأنه يدخل عالماً جديداً وخطيراً، وسيبتلعه من الداخل.

ما أبرز الصعوبات التي واجهتك أثناء التصوير؟

أكثر الأمور صعوبة كانت متعلقة بأن المواقع الحقيقية لتصوير المشاهد تم منعنا من التصوير فيها، وبالتالي كان علينا أن نبني ديكورات مماثلة لها، بعد معاينتها، كما أضفنا بعض اللمسات إليها مثل غرفة العزل.

يمكن وصف «عمارة يعقوبيان»، و»إبراهيم الأبيض» بالواقعية على عكس «الفيل الأزرق»، الذي انتقلت إلى الخيال؟

عندما اخترت تقديم هذه الرواية كنت أرغب في  إحداث هذه النقلة، فيدخل المشاهد لمتابعة الفيلم في عالم خاص بالعمل وحده، قد يتجاوب معه أو يرفضه، ولكنه يتابع أحداث تشويق وإثارة لا علاقة لها بالواقع.

لماذا شاركت في إنتاج الفيلم؟

لأن حجم العمل نفسه تتخلله نسبة مخاطرة كبيرة، ولإقناع منتج ما بمشاركتي في الإنتاج عليَّ أن أشاركه أيضاً في هذه المخاطرة. أرى من المهم للفنان أن يكون مشاركاً في الإنتاج للسيطرة على العناصر، وللفصل بين الأمور، بالإضافة إلى أن وجودي في الانتاج يضمن أن القرار الفني سينتصر، أي أنه ضمانة لسير العمل، ومشاركة في المخاطرة مع زملائي المنتجين.