باستثناء الشخصية الدرامية التي جسدها الممثل الواعد وليد فواز، وقدم من خلالها مزيجاً من الأداء الرائع، والتقمص الواقعي، والمصداقية المؤثرة، من خلال دور ضابط الشرطة الذي اختار الانضمام إلى وحدة مكافحة الشغب لينأى بنفسه عن الفساد المتغلغل في أركان وزارة الداخلية، قبل أن يُصاب بلوثة، عقب قيام ثورة 25 يناير، لا يمكن القول إن ما رأيناه في فيلم {... وبعد الطوفان» من تأليف حازم متولي وإخراجه يمت إلى فن السينما بصلة!

Ad

ما يقرب من التسعين دقيقة رأينا خلالها عملاً يزخر بالادعاء والافتعال والثرثرة والنبرة السياسية الزاعقة، التي لم يعد لها مكان في زمننا الحاضر؛ فالفيلم الذي وضح جلياً أنه {ركب موجة الثورة}، وتاجر بها بحسن نية أو سوء نية، بدا في المحصلة النهائية مضطرباً ومشوشاً، بعدما فات على أصحابه الانتظار قليلاً حتى ينجلي الغموض، وتظهر الوثائق التي تكشف حقيقة ما جرى بالفعل في 25 يناير؛ فالشبهات تحوم الآن حول الدور الذي أدته {حركة 6 أبريل} إبان الثورة بينما يُصور الفيلم بطله {كريم} (أحمد عزمي) في ثوب المناضل الثوري، الذي اعتقله واضطهده النظام السابق بسبب عضويته في هذه الحركة. أما البطلة {ياسمين} (حنان مطاوع) الطبيبة النفسية التي تعود إلى مصر بعد ست سنوات عاشتها في لندن لتستكمل رسالة الدكتوراه التي اختارت أن يكون موضوعها «الفساد السياسي لشخصيات النظام السابق وممارساتهم المرضية» لم تنتظر قليلاً، وهي الباحثة التي تُعلي من قيمة العلم، ولو فعلت لأدركت أن الاتهامات التي طاولت تلك الشخصيات تتهاوى جلسة بعد الأخرى، بل إن بعضها حصل على أحكام بالبراءة، وهو ما ينسف فكرة الفيلم التي تقوم على رصد وفضح سيرة حياة أحد رموز {النظام السابق}، والوقوف على أسباب فساده أثناء توليه منصبه، بينما كان بمقدور الفيلم أن يحظى بأهمية أكبر في حال تعميم الفكرة، بعيداً عن المباشرة وتصفية الحسابات التي وقع في حبائلها!

في المشاهد الأولى من الفيلم نرى {ياسمين} في حوار مع صديقتها الإنكليزية، وفجأة تأتيها مكالمة هاتفية من والدها يدعوها خلالها إلى متابعة التلفزيون، وتستمع إلى بيان رئاسي تهتف بعده {تنحى} (قالتها بالعربية ولا ندري كيف فهمتها صديقتها الإنكليزية)، وعلى هذا النسق الساذج يتوالى العبث؛ إذ تظهر شخصيات (هبة مجدي تغني على العود وحفنة من الشباب الثائر) وتختفي من دون أي مبرر، وترتدي {ياسمين} في فجاجة {تي شيرت} مكتوب عليه مصر، ويجد المتابع للأحداث نفسه فريسة لأشكال من الثرثرة السياسية، والنبرة الوطنية الزاعقة، والخطوط الدرامية التي أفضت إلى {متاهة} كدنا معها أن ننسى قضية الفيلم الرئيسة، لنغرق في طوفان من البلطجة والسوقية والبذاءة (إحدى السيدات، عارفة عبد الرسول، مُصابة بمثلية جنسية)!

المثير أن السيناريو، الذي كتبه المخرج، وقع في خطأ فادح عندما نوه إلى أن البطلة {ياسمين} دخلت مصحة نفسية في لندن لمدة سبعة أشهر، بسبب فشل زواجها، ومن ثم بدت وكأنها المريضة وليست الشخصيات التي تتقصى تاريخها وجذورها، وجاء تجسيد حنان مطاوع للشخصية الدرامية ليضفي كثيراً من الشحوب وضياع البريق، عبر أداء ضعيف وتقمص هزيل، انتقلت عدواه إلى بقية الممثلين حتى يمكن القول إن أحداً منهم لم يُظهر قدراته المعروفة، بل شاب الأداء عصبية وانفعال وافتعال، كما وضح في أداء أحمد عزمي وهبة مجدي وريهام حجاج، وقدم المخرج الوجه الجديد محمود إمام بأنه {أول ظهور}، ولم يدر أنه ربما يكون {آخر ظهور} بعدما عجز، وبقية الوجوه الجديدة، باستثناء إيمان سلامة، عن إقناع المتابع بإمكاناتهم، ولم يتركوا أي بصمة، حتى تولدت قناعة بأن المخرج، بتحريض من المنتج، استعان بهم رغبة في تقليص النفقات ليس أكثر!

بالطبع حاول المخرج حازم متولي أن يُعلن عن نفسه بشذرات متفرقة؛ كاختيار مسحة الأبيض والأسود في مشاهد {الفلاش باك} (استرجاع الماضي) وتصوير {النسر}، الذي يمثل شعار الشرطة، في وضع مقلوب على الزي الرسمي لضابط الشرطة، الذي أصيب بلوثة، في إيحاء بانقلاب الأوضاع رأساً على عقب، غير أن قدرات {متولي} لم تتجاوز هذه الشذرات القليلة، بعدما تفرغ لحشو فيلمه بكثير من التوابل التجارية، والموسيقى التي لا تهدأ، ولا تترك فرصة للتأمل، والإفراط في اللغو والسفسطة، كالقول الإنشائي الأجوف بأن {التظاهرات تعبير عن الثورة لكنها ليست الثورة}، و{الثورة رجَعت الحرية لكن عدم الوعي لسه موجود}؛ فالسطحية التي اتسمت بها رؤية المؤلف/ المخرج لا تحتمل هذا {التنظير}، الذي جاء بلا طائل، و{الفلسفة} الأشبه بالحرث في البحر.