الأغلبية الصامتة: للمتعة فقط
كانت «كرة القدم» مركبا مثاليا لأهل السياسة الذين وصلوا فوقه إلى مقاعد مجلس الأمة، ومعاشا يقتات منه "الطبيلة ونقالة الأخبار"، ومنصة للبروز داخل دائرة الأضواء، وأخيراً قنبلة دخانية يتخفى فيها حماة الدستور وحملة مشاعل التنوير والانفتاح عن دورهم الحقيقي عندما كانوا ممثلين للأمة.
بالمقارنة مع حماس الكثير من الشرائح لدينا بكرة القدم، وتفاعلهم معها عندما ترتدي حلة السياسة وتدخل ميادين مجلس الأمة ومجلس الوزراء والندوات العامة، نستخلص نتيجة واحدة، ساطعة، فاقعة، هي أن جمهور كرة القدم بصياحه الهادر في الدواوين والمقاهي والصالات، وشطارته في حفظ أسماء اللاعبين وأسعارهم، ودقته في سرد جداول المنافسات، دوري وكأس محلي ودولي وقاري منتخبات وأندية، لا يرى في كرة القدم إلا "متعة" لا تزيد على الدحرجة في "البراحات"، ولا تقل عن المشاهدة التلفزيونية.منتخب الكويت "يتبهدل" أو "تتوسع" شبكات مرمى أي ناد كويتي لا يعني أن تتحول حالة الاستياء أو التذمر الجماهيري إلى ردة فعل تزيد على "التجريح" في برنامج إذاعي أو سيل من الشتائم يخترق أعمدة دخان معسل "تفاحتين"، وما إن يمضي يوم أو تمر ساعة على الإخفاق الكروي حتى تسمع صرخة مناضلي "البلاي ستيشن" يا ولد "حط على مباراة تشيلسي وليفربول" لتطوى صفحة لم يكتب فيها شيء، وتفتح صفحة جديدة من "المتعة". لقد تم "تجريب" النضال الرياضي الميداني أكثر من مرة من قبل، وفشل فشلا ذريعا في تحويل الحضور الرياضي الحاشد إلى حضور سياسي فاعل، وفي كل مرة يتم التنادي فيها أمام اتحاد كرة القدم، للتعبير عن الغضب والمرارة من خسارة البطولة الفلانية أو الإخفاق في التأهل -حتى في زمن "تويتر"- لا يوجد غير نفر قليل، حتى في الجلسات البرلمانية للنظر في القوانين المعنية مباشرة بالرياضة يحدث نفس "العقم" التفاعلي، هذا الأمر ماذا يعني؟... يعني أن كرة القدم والقضية الرياضية عموما ليست الا "متعة" يستلذ بها جمهورها إما لمسا وإما مشاهدة وغير ذلك لا يستحق القتال.السؤال الذي أراه مستحقا لمن لبسوا "فانيلات" أنديتهم داخل مجلس الأمة في ما سبق ووضعوا "الطمباخية" فوق قضايا الحريات العامة وحماية الدستور والمال العام، وهم يعلمون علم اليقين أن جمهور الرياضة جمهور "متعة" فقط، أين هي قضيتكم الآن؟ وما أولويتها عند قائد السرب ورفيقكم السابق؟لقد كانت "كرة القدم" مركباً مثالياً لأهل السياسة الذين وصلوا فوقه إلى مقاعد مجلس الأمة، وحياة يعيش فيها من يعانون وفرة وقت الفرغ، ومعاشا يقتات منه "الطبيلة ونقالة الأخبار"، ومنصة للبروز داخل دائرة الأضواء، وأخيراً قنبلة دخانية يتخفى فيها حماة الدستور وحملة مشاعل التنوير والانفتاح عن دورهم الحقيقي عندما كانوا ممثلين للأمة.جمهور كرة القدم لا يأبه باتحاد شرعي أو غير شرعي، ولن يزيد غضبه من الخسائر المتتالية عن "شيله" يرددها على المدرجات، كما أنه جمهور لا يفتقر للفطنة عندما يجد الاتحاد يحظى بالدعم المادي والمعنوي من أعلى المستويات، فلماذا ولأجل من سيحرق أعصابه لتعديل أوضاع تحظى بالقبول والمشروعية؟قضية الرياضة عموما تحتاج للوضوح في التعامل، هي مهمة وضرورية ضمن سياسة الدولة كلها، واحترام قوانينها ليس أهم من احترام بقية القوانين الأخرى، وليس أولوية تسبق المحافظة على سلامة الدستور، يعني من الآخر "اللي بيحصر نضاله بالقوانين الرياضية... كلكجي".