«الشعب الملطشة» *
![د. ابتهال عبدالعزيز الخطيب](https://www.aljarida.com/uploads/authors/991_1667658654.jpg)
لطالما صرخت وآخرين غيري بضرورة تعبيد طريق ثالث، طريق لم تفسده الحكومة ولم تلوثه المعارضه، طريق يحفره الشباب، على ذوقهم، بأسلوبهم، يوجهونه حيث يريدون بدون حسابات وتصفيات واصطفافات، لطالما قلنا، لا تعبدوا الرموز، لا تثقوا بمن وقر في صف الحكومة سابقاً وانقلب عليها عندما تغيرت المعادلة وتغير اتجاه الريح، ولطالما حذرنا لا تندفعوا إلى صف الحكومة المفسدة كرد فعل تجاه المعارضة الفاسدة. لسنا مجبرين على اختيار أفضل الأسوأ ولا أهون الأمرين، يمكننا أن نصنع طريقا مختلفا، ليس فيه رموز ميلودرامية ولا قيادات فاسدة ولا أصحاب قرار مهملون متهاونون، طريق ليس فيه تزوير ولا تدليس ولا سراق ولا تحويلات ولا إيداعات، طريق ليس فيه تشويه ولا شتم ولا طعن في سمعة ولا قذف في شرف، طريق ليس فيه رموز تعبد ولا قيادات تتوعد، طريق يصنعه الشباب، يقودون من خلاله ولا يقادون. هذا هو الواجب الأخلاقي على شباب المقاطعة اليوم، هؤلاء الذين لم يستطيعوا أن يستمروا في التحرك من خلال النسق الحكومي الفاسد، ولم يتمكنوا من الانضمام إلى منظومة المعارضة الخربة، هؤلاء الذين لم تكن لهم جماعة تضمهم، يحتاجون اليوم أن يخلقوا جماعتهم ويعبدوا لها الطريق. عندما أتذكر، ليس معاناتنا العادية لتأمين مصاريفنا وسداد إيجاراتنا وأقساط سياراتنا وتوفير شيء ما لمستقبل أولادنا، ولكن عندما أتذكر البعض من أهل البلد، من جلدة أرضها، يحيون دون ورقة ثبوتية، ودون لقمة مضمونة وتعليم مستمر يقي الصغار شر الشارع وطبابة متوافرة تؤمن الحياة، عندما أتذكر كيف يقطن البعض في إسطبلات الخيول، حيث الفقر والمرض وضنك العيش، وحيث يؤمِّنون عيشهم أحياناً بالبحث في صناديق الزبالة عن خبز يصنعون منه علفاً يبيعونه، عندما أتذكر كل ذلك، ثم أضعه أمام فساد الملايين الذي يرتع في أروقة الدولة، أمام الأموال السائبة التي اصطف "الكبار" عبيداً لها، ملايين تحركهم كحطب الدامة، تحولهم من أحباب إلى معارضة ومن معارضة إلى أحباب، عندما أتذكر كل تلك المعاناة أمام كل هذه الحرمنة والتآمر والجشع المريض، أفقد الأمل في الدنيا، في الإنسان، في الخير الذي طالما آمنت بفطريته في النفوس. كل هذا الشر، كل هذا الخراب ونحن ننظر ذات يمنة وذات يسرة، هذا يضرب ذاك، وذاك يبصق في وجه هذا، وهذا يكشف وذاك يزور، وهذا يصرخ وذاك يبرر، أي الأوراق صحيحة وأيها مزورة؟ من الشريف ومن الخبيث؟ أين القانون من كل ما يحدث؟ أين القانون؟ طريق جديد يا شباب، طريق جديد، فالإصلاح النظيف ممكن، والعمل السياسي الشريف محتمل، احزموا أمركم وغادروا جو الفساد هذا قبل أن يبلعكم في داخله ويقضي على طهارة نفوسكم... وابدؤوا من جديد.* ورد تعبير "المواطن الملطشة" في المسرحية السياسية المصرية "كعبلون" لسعيد صالح.