"هل دخلنا في حرب باردة جديدة؟".
هذا هو السؤال الذي لا أكف عن سماعه اليوم عندما أتحدث مع أي شخص عن روسيا. الجواب واضح: لا، نحن لم ندخل في حرب باردة جديدة. لا تخوض الولايات المتحدة ولا أوروبا منافسة مميتة وكارثية مع روسيا أو الصين أو أي طرف آخر، كما أننا لا نخوض حروباً بالوكالة، ولم ينقسم العالم إلى نصفين متخاصمين بين الديمقراطيين والشيوعيين.صحيح أننا لا نخوض حرباً باردة جديدة، لكن عادت تُستعمل تكتيكات الحرب الباردة القديمة فجأةً، قبل بدء عام 2014، بطريقة لم نشهدها منذ بداية الثمانينيات. قد لا نصدق في الولايات المتحدة أننا نخوض صراعاً أيديولوجياً مع أحد، بل يخوض أشخاص آخرون صراعاً أيديولوجياً ضدنا، وقد لا نصدق في الولايات المتحدة وجود تهديد حقيقي على بنى تحالفاتنا القديمة في أوروبا وآسيا، لكن يظن الآخرون أن تلك التحالفات أصبحت هشة وهم يعملون على إضعافها.أحياناً تكون تلك الخطوات واضحة وصريحة، كان أحدث إعلان أحادي الجانب من الصين عن إنشاء منطقة جديدة للدفاع الجوي في بحر الصين الشرقي محاولة واضحة لتحذير الدول المجاورة من أن سلاحها البحري يستعد لمنافسة الأسطول الأميركي. وبدت الرسالة مماثلة عندما قطعت السفينة التابعة للبحرية الصينية الطريق أمام مدمرة أميركية وأجبرتها على تغيير مسارها. لا يشير أي من هذه الحوادث إلى بدء حرب باردة أو ساخنة أو أي نوع آخر من الحروب، لكنها تعني أن الصين تنوي كسر وضع المراوحة وإضعاف ثقة حلفاء الولايات المتحدة (اليابان، كوريا الجنوبية، الفلبين) بالنفوذ الأميركي ودفعهم على الأقل لإعادة النظر باتفاقياتهم الاقتصادية والعسكرية والتجارية القديمة.خلال السنة الماضية، كانت روسيا تمارس النوع نفسه من الألاعيب مع حلف الأطلسي: هي لم توجّه أي تهديدات صريحة بل مجرد تلميحات، وفي الربيع الماضي، أطلقت القوات الجوية الروسية اعتداء وهمياً على السويد، فاقتربت على نحو خطير من الفضاء الجوي السويدي وحلّقت فوق جزيرة غوتلاند، وامتنعت القوة الجوية السويدية عن الرد (حصل ذلك بعد منتصف ليل الجمعة العظيمة) مع أن طائرتين دنماركيتين حاولتا اللحاق بالطائرات الروسية فوق البلطيق. كذلك، أطلق المسؤولون الروس تهديدات مبطّنة (وأخرى أكثر وضوحاً) لفنلندا، فقاطعوا الصناعات في دول البلطيق وألمحوا إلى أن روسيا تنوي نشر صواريخ طويلة المدى على حدودها الغربية، على أن تكون تلك الصواريخ مُعدّة لضرب ألمانيا.أكرر: لا تنوي روسيا شن أي حرب، بل إنها تنوي على المدى القصير إضعاف الثقة الإقليمية بحلف الأطلسي، وبالضمانات العسكرية الأميركية، وبالتضامن بين دول أوروبا الغربية. على المدى الطويل، تريد روسيا أن تقبل إسكندنافيا ودول البلطيق، حتى أوروبا كلها، بالسياسات الروسية في مجالات أخرى.ما من تنسيق بين أفعال روسيا والصين، ولا يتبادل البلدان مودة كبيرة أصلاً، لكن ثمة قاسم مشترك واحد بين النخب الحاكمة في البلدين: هم يكرهون مؤسسات الديمقراطية الليبرالية بالطريقة التي تُمارسها أوروبا والولايات المتحدة واليابان وأماكن أخرى، وهم مصمّمون على منعها من التوسع والوصول إلى موسكو أو بكين. هذه النخب نفسها تظن أن وسائل الإعلام والأفكار الغربية، ولا سيما الرأسمالية الغربية (مقابل رأسمالية الدولة)، تهدد هيمنتها الشخصية على الأنظمة الاقتصادية. هي تريد ألا يتصدى العالم لحكم الأقلية الاستبدادية بالشكل الذي تمارسه وقد باتت أكثر استعداداً لدفع ثمن أعلى مقابل تحقيق ذلك.في الأسبوع الماضي، صدّق الرئيس الروسي حسن نوايا الرئيس الأوكراني، فقدم له حوالي 15 مليار دولار لدعم ميزانيته مقابل عدم التوقيع على اتفاقية تجارية حرة مع الاتحاد الأوروبي. كانت تلك الاتفاقية ستسمح في نهاية المطاف بتحسين طريقة الحكم في أوكرانيا وتعزيز ازدهارها وجعلها أقل عرضة لألاعيب الشركات الروسية الفاسدة. أوضحت الصين بدورها أنها لم تعد ترحب بالصحافيين الغربيين الذين يكتبون عن الفساد الصيني، ولا شك أن العلاقات الصينية الأميركية الحسنة تُعتبر مهمة بالنسبة إلى بكين، لكنها ليست بأهمية إعاقة المراسلين الاستقصائيين الغربيين الذين يمكن أن يطرحوا تهديداً على العائلات الحاكمة في الصين.من السخافة أن نتعاطى مع أيٍ من تلك الحوادث بجدية مفرطة، لكن من السخافة أيضاً أن نتجاهلها بالكامل. أمضينا فترة التسعينيات ونحن نحصد ثمار الازدهار في حقبة ما بعد الحرب الباردة، ثم انشغلنا في بداية القرن الحادي والعشرين بشن الحرب على الإرهاب. نحن لسنا مستعدين من الناحية الفكرية أو الاقتصادية أو العسكرية للتفكير بإطلاق صراع بين القوى العظمى، فكيف بالحري محاولة تجديد التحالفات ورسم الاستراتيجيات؟ لكن يبدو أن التاريخ يعيد نفسه سواء رغبنا في ذلك أو لم نفعل، نتمنى لكم عاماً سعيداً!* آن أبلبوم | Anne Applebaum
مقالات
الصين وروسيا تستعيدان تكتيكات الحرب الباردة
30-12-2013