«داعش»... طهران... واشنطن!
بعد أحداث 7 مايو 2008، التي قام خلالها حزب الله في بيروت بالسيطرة وفرض قرارات بالقوة على شركائه في الوطن، توقعت في عدة مقالات أن يؤدي استمرار ممارسات أذرع مشروع الجمهورية الإيرانية القومي بهذا الشكل إلى اندلاع حرب طائفية مدمرة، من لبنان حتى الموصل في العراق، وهذا ما يحدث اليوم بصورة أوسع وفوضى خلاقة جديدة تستخدم بذكاء من طهران، بالتنسيق مع واشنطن، كما تبين الأحداث والتصريحات التي تصدر عن الإدارة الأميركية وممثلي السلطة الإيرانية مؤخراً.أما قصة "داعش" وأفلامها فهي أدوات "استخباراتية" تلعب بها عدة أطراف، وهي جزء من صناعة المشهد السوري- العراقي، ومن يرد أن يعرف شيئاً من حقيقة "داعش" فعليه أن يطلع على تسجيل جلسة الاستماع لوزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل في الكونغرس عن أوضاع العراق الأسبوع الماضي. لهجة هيغل وكلامه في الجلسة يوضحان أن الرجل يعلم أن "داعش" يمثل خطراً محدوداً، وهو صنيعة استخباراتية للدفاع عن نظام بشار الأسد ومبرر لحزب الله ليوسع دوره في محيطه، ولتجييش الشيعة في العراق لمواجهة تمرد سني – عشائري بسبب إقصائهم من الحياة السياسية والهيمنة الإيرانية على الدولة العراقية، ولذلك قال هيغل: "لن نكون القوة الجوية الضاربة للميليشيات الشيعية" ليختصر كل القصة هناك! بينما يرى سيد البيت الأبيض أوباما ووزير خارجيته جون كيري ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس أنه لابد من منح إيران ما تريده في المنطقة ومساعدتها على ذلك بتوجيه ضربات إلى سنة العراق وإجبارهم على الاستسلام.
لا شك أن كل التنظيمات المتطرفة السنية والشيعية منها، والتي تنشأ في العراق نتيجة الصراع على تنفيذ مشاريع الآخرين على أرضه تمثل خطراً مستقبلياً لاسيما بعد فشل مشروع الدولة المدنية في العراق، وربما تشكل خطراً علينا، لكن لا أعتقد أن مشاركتنا في تهييج الشارع والمبالغة في موضوع "داعش" قرار صائب، ولا أعلم من الذي يسخن الموضوع في الكويت ويعطيه أكبر من حجمه ويريد مناقشته في مجلس الأمة وجعله قضية من لا شيء، فالعراق عاش فترات من الصراع أشد في أيام الزرقاوي وتنظيم القاعدة الجديد في الفلوجة والأنبار وليس في زمن "داعش" المصنع في دمشق ولبنان! ولم تتمدد المخاطر في تلك الفترة بشكل فعلي إلينا.لذلك فإن إقحامنا في هذه اللعبة ووضعنا على خط النار في جبهة لا ناقة لنا فيها ولا جمل لمحاربة ما يسمى بـ"داعش" غاية لطرف إقليمي ينساق معها البعض عندنا من حسنيي النية دون أن يعلموا أن المشروع كبير ولاعبيه أطراف متعددة ولا يستهدفنا في مراحله الأولى، لكن ربما في نهايته، وهو ما يتطلب تنسيقاً وعملاً كبيرين على المستويين العربي والخليجي، لا عبر الانسياق وراء عمليات الإلهاء التي تحدث بين فترة وأخرى عن الحدث الحقيقي الذي يحدث للشعبين السوري والعراقي من إيران والولايات المتحدة الأميركية!