التجنيد الوطني!
إذا أرادت الحكومة أن تعيد التفكير الإلزامي، فلتدرس المشروع الإماراتي بل لتطوره بما يتناسب مع حاجتنا كدولة في البعد الأمني، والأهم من ذلك في البعدين التنموي والإنساني، أي بمعنى آخر العمل على تهيئة الشباب لمعترك الحياة التي تنتظرهم.
ليس عيباً أن نقتدي بالإمارات في قراراتها الجميلة، فهي دولة خليجية شقيقة وحبيبة إلى قلوب الكويتيين، وأيضاً قد يساهم ذلك في مشروع التكامل أو الاتحاد الخليجي الذي أصبح شعاراً سياسياً عقيماً أو أنه استغل في غير مقاصده الحقيقية.دولة الإمارات أعلنت مشروع التجنيد الإلزامي للذكور والاختياري للإناث، ويأتي ذلك بعد ثلاثين سنة من التجربة الكويتية التي فشلت بامتياز على كل الصعد، حيث إن التجنيد الكويتي كان مثالاً بشعاً في العموم من حيث سوء الاستغلال والهدر في المال العام، وضياع الوقت لموظفي الدولة الجادين في عملهم، ولعبت "الواسطة" والمحسوبية دورها الكويتي الرائد في تحويل فترة التدريب السنوي لبعض المجندين إلى إجازة مفتوحة وبراتب كامل، ناهيك عن إخفاق فلسفة التجنيد نفسها في التربية على الالتزام واحترام القانون والحزم، وأخيراً بناء جيش احتياطي مؤهل يليق بحجم ما أنفق عليه.
نحمد الله أن هذا التجنيد الإلزامي قد أُلغي بعد الغزو العراقي، وفشلت محاولات إحيائه من وزارة الدفاع، فكانت الاتفاقيات الأمنية التي وقعتها الكويت مع دول مجلس الأمن كافية ووافية لتحقيق الأمن الاستراتيجي خصوصاً مع ضعف نظام صدام حسين وزواله في ما بعد. وإذا أرادت الحكومة أن تعيد التفكير الإلزامي، فلتدرس المشروع الإماراتي بل لتطوره بما يتناسب مع حاجتنا كدولة في البعد الأمني، والأهم من ذلك في البعدين التنموي والإنساني، أي بمعنى آخر العمل على تهيئة الشباب لمعترك الحياة التي تنتظرهم، وهي حبلى بالتحديات والصعوبات، وفي ظل أوضاعنا المختلة تماماً على أكثر من صعيد. نعود إلى التجربة الإماراتية وبحسب ما أُعلن عنها أن فكرة التجنيد لا تعني بالضرورة عسكرة الشباب إنما تدريبهم إلى جانب التأهيل العسكري، للعمل في القطاعات الحكومية المختلفة سواء في المجال الإداري أو التقني، ومن يعرف الإماراتيين يدرك تماماً أن النجاح شرط أساسي في مثل هذا القرار.لهذا فإن ما نحتاج إليه هو التجنيد من أجل المواطنة، في بلد أصبحت فيه مخالفة القانون هي الأصل، واستباحة المال العام "حلال زلال"، وعدم الالتزام بالدوام شطارة وذكاء، وتولي المناصب العليا بالتزلف و"الواسطة"، والتعصب الأعمى للطائفة والقبيلة والتيار هو التبجح بالوطنية وادعاء الشرف والوصاية على سائر الناس، وقد يكون الجيش الكبير العاطل عن العمل والمنتظر دخول سوق العمل والاستقرار الأسري هو نواة هذا التجنيد القادم، واستغلال هؤلاء الشباب في تأهيلهم ميدانياً في أجهزة الدولة المختلفة وتبنيهم في برامج تدريبية حول مهارات الحياة والتقنية المعلوماتية الحديثة، وفنون إعداد التقارير، وصقلهم بأصول المواطنة الحقة واحترام القانون والتعريف بمضامين الديمقراطية وإثبات الذات، فهذه في نظري التجنيد الذي يتمناه شبابنا ليكونوا جزءاً من جيش وطني بمعنى الكلمة!