"من يزرع الشوك يحصد العوسج"... فالعملية الأخيرة التي استهدفت السفارة الإيرانية في بيروت مرفوضة ومدانة ومستنكرة أخلاقياً وسياسياً ودينياً، لكن ومع كل هذا وأكثر منه فإنه لابد من التوقف عند الأسباب و"البيئة الإقليمية" التي جعلت المنفذين والمخططين يقدمون على ارتكاب جريمة من المعروف أنها ليست الأولى، ومن المؤكد أنها لن تكون الأخيرة.

Ad

لقد بادر الإيرانيون ومعهم حزب الله إلى تحميل إسرائيل مسؤولية هذه الجريمة، التي هي في حقيقة الأمر ارتكبت جرائم أكثر منها دموية وأشد منها بشاعة، وهم يعرفون أنَّ هذا ليس هو الصحيح، والصحيح أنَّ من ارتكبوها، بغض النظر عن قولهم إنهم ينتمون إلى فرع "القاعدة" الذي يحمل اسم "كتائب عبدالله عزام"، ما كان بالإمكان أن يرتكبوها لولا "البيئة" التي خلقتها إيران بتدخلها العسكري والاستخباراتي والسياسي السافر في ثلاث دول عربية هي؛ العراق وسورية واليمن، بالإضافة إلى محاولات تدخلها في السودان وفي العديد من دول الخليج العربي.

عندما يرى حتى الإنسان العادي، الذي يصاب بغيبوبة إذا شاهد نقطة دم واحدة على جبين طفل، أنَّ إيران لا تستبيح دولة عربية واحدة فحسب، بل دولاً عربية بدوافع طائفية ومذهبية باتت مكشوفة ومعروفة، وترتكب كل هذه المذابح التي ترتكبها في العراق وسورية وفي اليمن أيضاً فيجب عدم استغراب أن يتحول إلى وحش كاسر وأن يرتكب ما هو أشد بشاعة من عملية السفارة الإيرانية في بيروت وأكثر!!.

إن إيران بأفعالها هذه وبإصرارها على هذه الأفعال ومواصلتها لها قد زرعت أحقاداً دفينة متبادلة بين المسلمين الذين من المفترض أنهم إخوة، رغم كل ما بينهم من خلافات عنوانها الدين وباطنها السياسة، وجعلت "الشيعي" يعتبر شقيقه "السني" عدواً مبيناً لابد من تسديد حسابات تاريخية معه وجعلت "السني" يتعامل مع شقيقه "الشيعي" على أساس :إمَّا قاتل أو مقتول.

لا يوجد أي مبرر لأنْ تقوم إيران بكل هذا الذي تقوم به في سورية، فما حدث في هذا البلد العربي هو بالأساس خلاف بين حاكم مستبد وبين محكوم تحمَّل الجور والقمع نحو نصف قرن كامل،  ولهذا فقد كان على إيران أن تتدخل، هذا إذا كان لابد من التدخل، لكي تصلح بين الطرفين لا لتنحاز إلى جانب الظالم ضد المظلوم، وكل هذا بدوافع طائفية قذرة عنوانها ميليشيات حزب الله وفيلق "أبو الفضل العباس" وعنوانها أيضاً كِذْبة أنَّ الهدف هو حماية مرقد السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب وضريح (الصحابي) حجر بن عدي!

إن هذا النظام السوري لا هو نظام "ممانعة ومقاومة" ولا هو ضحية تنظيمات "تكفيرية" وإرهابية خارجية وافدة، وهذا يعرفه الولي الفقيه علي خامنئي تمام المعرفة ويعرفه أيضاً حسن نصر الله وكل الذين يُخيطُون بـ"مسلَّته"، وهكذا عندما يبادر بشار الأسد منذ لحظة انفجار هذه الأحداث المأساوية في مارس عام 2011 إلى مواجهة الشعب السوري بسيف الطائفية البغيضة، وعندما تبادر إيران إلى غزو سورية بقطعان متوحشة من الطائفيين وترتكب كل هذه الفظائع التي ترتكبها "تنفيساً" لأحقاد مذهبية تاريخية قديمة، فقد كان عليها أنْ تتوقع مثل هذا الهجوم الذي تعرضت له سفارتها في بيروت وأشد... ثم إنَّ من زرع كل هذه الأشواك في هذه المنطقة عليه أن يتوقع أن يكون حصاده "عوسجاً"... والأيام قادمة وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون!