الغبقات الرمضانية... تقليد اجتماعي للتراحم الأسري والمجتمعي
تطورت من إطار اجتماعي إلى منتدى سياسي
جُبل أهل الكويت منذ الأزل على توارث الكثير من العادات الحميدة، التي تميزهم بين المجتمعات الخليجية والعربية، ولاسيما أن لشهر رمضان نصيباً من تلك العادات في الأجواء الإيمانية، كإعداد «الغبقة» الرمضانية التي تزيد أطر التراحم والترابط والتلاحم الأسري بين أبناء المجتمع على مر الأجيال.
يجمع المواطنون على مدى تمسك أهل الكويت بتقليد الغبقة الرمضانية التي جبل عليها الأجداد مبينين أنها كانت في السابق تقام في إطار العائلة والأصدقاء، وهي بما يقدم مما تجود به الأسرة أو العائلة القائمة لهذه العادة، ومشيرين إلى تأثر هذه العادة باختلاف الأجيال، لكونها باتت تتلاشى وتتغير عما كانت عليه في السابق، وتأخذ منحى آخر لتكون مجرد لقاءات في الديوانيات لا تخلو من النقاشات السياسية، حتى أصبحت أشبه بالمنتديات السياسية، إضافة إلى وجود الغبقات الشبابية من خلال تجمعاتهم في الكافيهات والمولات للاستئناس بخصوصيتهم.ولفت البعض منهم لـ"الجريدة" إلى تمسك أصحاب التوجهات السياسية والانتخابية بهذه العادة من أجل التواصل وجذب الناس، حيث انها غالبا ما تكون لدى نواب مجلس الأمة الحاليين أو ممن لديهم طموحات سياسية، مشيرين إلى تلاشي هذه العادة عند معظم الناس في ظل وجودها بندرة لدى بعض الدواوين والأسر.وأوضح المتحدثون أن الأسباب التي أدت إلى تأثر هذه العادة هي كثرة الدواوين في الفرجان، وانشغال الناس، وضعف الوازع الديني، وعدم معرفة الناس بالعادات والتقاليد، إضافة الى دخول بعض الثقافات الأجنبية والأمور الغريبة على المجتمع الكويتي التي لا تخدمه، إلى جانب غياب الدور الإعلامي في مسألة تعليم وتثقيف وتوعية الناس، وغياب الدور الأسري في توجيه الأولاد.وطالبوا بضرورة وجود الدور الحكومي ووسائل الإعلام في تبسيط هذه المواضيع في نفوس الأبناء، والعمل على غرس وتأكيد وتأصيل تلك العادات لديهم، للمحافظة عليها في المستقبل، متمنين من وزارة الإعلام تسليط الضوء والتركيز على كل من الجانب الإيجابي والقيم الأخلاقية وتنوير الناس بما يفيدهم في دينهم ودنياهم، لاسيما أن ذلك هو دورهم وواجبهم في ظل وجود الآلاف من القنوات التي تكون نسبة 99 في المئة منها معول هدم في الأخلاق والأفكار، مشددين على ضرورة المحافظة على أبنائنا، وذلك من خلال تقديم الرؤية الصحيحة والوسطية التي من شأنها المحافظة عليهم لكونهم عماد المستقبل.من جانبه، رأى د. فوزي المعوشرجي أن "هناك عادات كويتية كثيرة أخذت منحى آخر وخطيرا كالغبقة، التي من الممكن ان تتلاشى في المستقبل"، مشيراً إلى أن "الغبقة" الرمضانية تغيرت، لكونها بدأت تقل وتأخذ منحى آخر لتكون مجرد اجتماع للشباب في الديوانيات بعيدة عن الاجتماعات الأسرية التي كانت تشهدها في السابق.اختلاف الأجيالوقال إن "ذلك الاختلاف يعود إلى اختلاف الأجيال، حيث أصبحنا نرى ان الجيل الحالي لم يعد من اهتماماته المحافظةوالأخذ بمثل هذه العادات الكويتية الأصيلة، التي تشجع على التجمع العائلي داخل البيت، لكونه أصبح يخرج إلى الكافيهات ومراكز التسوق".وأضاف أنه في السابق كانت الغبقة تبدأ من الساعة الحادية عشرة حتى الواحدة، وكانوا يهتمون بهذه العادة، وتكون بمشاركة من الجميع، وكل بيت يساهم بشيء ويحضر معه ما يجود به ويتخللها الأحاديث الأسرية، إلا أنها الآن أصبحت مجرد لقاءات في الديوانيات ولا تخلو من النقاشات السياسية.الدور الحكوميوتمنى من كل رب أسرة وربة بيت أن يعملوا على تذكير أبنائهم بالعادات الكويتية القديمة لغرس هذه العادات في طباعهم، لتعزيز هذه العادات بأنفسهم، مشدداً على ضرورة أن يكون هناك دور كبير للحكومة ووسائل الإعلام في تبسيط هذه المواضيع في نفوس الأبناء بدلاً من عرض المسلسلات الفاضحة التي لا معنى لها، والعمل على غرس وتأكيد وتأصيل تلك العادات لدى الأطفال بحيث يتشبعونها للمحافظة عليها في المستقبل.منتديات سياسيةوبيّن جراح الشمري أن الغبقة الرمضانية عادة كويتية قديمة كانت تجرى في السابق لهدف التواصل الاجتماعي بين أبناء الأسر، وأصبحت الآن على نطاق أوسع، نظراً لما نشهده في الآونة الأخيرة، فقد تحولت الغبقات الرمضانية إلى أشبه بالمنتديات السياسية.وقال إن الطابع الذي تتحلى به الغبقات الرمضانية مازال موجوداً، والدليل أن أغلبية المؤسسات التجارية تعمل على ايجاد مثل هذه الغبقات لموظفيها، لافتا إلى أنه من المحاسن التي تتميز بها تلك العادة هي التجمع وتبادل الآراء، وتواصل الرحم، والتواصل بين فئات المجتمع.وأضاف أننا "نرى أن الوضع الحالي للغبقات اختلف عما كان عليه في السابق من حيث تبادل المواضيع والأحاديث والنقاشات التي تطرح، لاسيما أن المراحل الحالية اختلفت تماماً عن السابق، حيث انها تشهد مشاحنات سياسية، وذلك ما يجعل اغلب الموضوعات والأحاديث والآراء التي تطرح الحديث في معظم تلك اللقاءات سياسية، لاسيما التطرق إلى آخر الاحداث التي تشهدها الساحة". التفكك الأسريوقال: "الغبقات في أيام الجيل الأول كان فيها كل من الجد والأب والولد، إلا أنه في الوقت الحالي نلاحظ وجود التفكك الأسري، بحيث يكون كل من أفراد الأسرة مع الجيل التابع له، حيث اننا لا نرى وجود جيل الأبناء مع آبائهم وأجدادهم في مثل تلك الغبقات، بل تكون هناك غبقات شبابية خاصة بهم من خلال تجمعاتهم في الكافيهات والمولات، وذلك لعدم احساسهم بالراحة مع من يكبرهم سناً، مما يجعلهم يعيدون تلك المواقع للاستئناس بخصوصيتهم وسط الغبقات الشبابية من ناحية طرح المواضيع والآراء، مناشداً الجهات المعنية العمل على المحافظة على تلك العادات حتى لا تندثر".الإطار العائليبدوره، أشار رباح الشريف إلى أن الغبقة كانت في السابق تقام على أساس الإطار العائلي والأصدقاء، وهي بما يقدم مما تجود به الأسرة أو العائلة القائمة لهذه العادة، إلا أنها باتت تتلاشى بعض الشيء في وقتنا الحالي، ولا يوجد اتجاه لها كما كان في السابق، مشيرا إلى الاهتمام الكبير في تلك الغبقات الرمضانية في السنوات السابقة في الديوانيات، حتى أصبحت أشبه بنظام الدورية بين الدواوين نفسها.التوجهات السياسيةوذكر أن الاهتمام والتركيز على إيجاد هذه العادة أصبح أكثر تمسكاً لأصحاب التوجهات السياسية والانتخابية لمصلحة التواصل، وجذب الناس أكثر من عامة الناس، وغالبا ما تكون هذه الغبقات لدى نواب مجلس الأمة الحاليين أو ممن لديهم طموحات سياسية، مشيرا إلى تلاشي هذه العادة عند أغلبية الناس، في ظل وجودها بندرة لدى بعض الدواوين والأسر.الغريفهورأي الشريف أن من الأسباب التي أدت إلى اندثار هذه العادة هو كثرة الدواوين في الفرجان، وترك الكثير من الأمور كصلة الرحم في هذا الشهر الفضيل، حيث كان في السابق يجتمع الفريج في ديوانية معينة وتكون الغبقة بنظام الدورية على مجموعة من أهل الفريج وكل منهم يحضر "غريفه"، فكان لها طعم وبركة وفيها خير، أما الآن فكثرت الدواوين وانشغل الناس، وضعف الوازع الديني، وعدم معرفة العادات والتقاليد، إضافة إلى دخول بعض الثقافات الأجنبية والأمور الغريبة على المجتمع الكويتي التي لا تخدمه، إلى جانب غياب الدور الإعلامي في مسألة تعليم وتثقيف وتوعية الناس وغياب الدور الأسري في توجيه الأولاد.وأضاف نرى أن الإعلام المرئي الذي يدخل في كل بيت أصبح وسيلة هدم لا بناء، لاسيما مما يطرح من موضوعات، فيرى الناس من عادات وتقاليد ليست بتقاليد أهل الكويت، ولا حتى المشاكل التي يصورها الإعلام ويضخمها للعالم، فالمجتمع الكويتي أسرة متلاحمة ومتراحمة في ما بينها، ويصل القوي الضعيف، والغني يسأل عن الفقير وبينهم صلات تواصل ومحبة ويسعون ودائما سباقين بما فيه الخير، وهناك حالات شاذة لا تقاس ولا تعمم على أحد نتيجة وجود بعض التشخيصات الفردية التي تحصل في جميع بلدان العالم.الدور الإعلاميوتمنى الشريف أن تسلط وزارة الإعلام الضوء وتركز على كل من الجانب الإيجابي والقيم الأخلاقية وتنوير الناس فيما يفيدهم في دينهم ودنياهم، لاسيما أن ذلك هو دورهم وواجبهم في ظل وجود الآلاف من القنوات التي تكون نسبة 99 في المئة منها معول هدم في الأخلاق والأفكار، مشدداً على ضرورة المحافظة على أبنائنا، من خلال تقديم الرؤية الصحيحة والوسطية التي من شأنها المحافظة عليهم لكونهم عماد المستقبل.الترابط والتلاحمبدوره، أوضح فارس المعصب أن التواصل والترابط والتلاحم من العادات الكريمة التي جبل عليها أهل الكويت منذ الأزل، ولاشك ان تلك العادات تزداد في شهر رمضان المبارك، نظرا لما له من أجواء إيمانية، مبينا أنه في هذا الشهر تكون هناك عادة كويتية متأصلة يحرص ابناء الكويت على إحيائها وهي الغبقة الرمضانية.وقال إن "هذه الغبقة التي اعتادها أهل الكويت مازالت موجودة، حيث إن أهل الفريج في السابق كانوا يتجمعون في ديوانية واحدة، وكل ليلة على أحد رواد هذه الديوانية، إلا أنها أصبحت في وقتنا الحالي تخضع للمزاجية لا كما كانت في السابق".