أضع يدي على قلبي خشية أن يتحول مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية إلى نسخة أخرى من مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط؛ فالمجاملة أطلت برأسها عبر الدعوة العجيبة التي وجهت إلى عدد من الصحافيين والإعلاميين، الذين لم يترددوا في اصطحاب زوجاتهم والصحافيات اللاتي رافقن أولادهن، ربما ليروحوا عنهم في إجازة نصف العام الدراسي، وهي الصورة التي رأيناها سابقاً في مهرجان الإسكندرية السينمائي، ولم نكن ننتظر أن تتكرر في هذا المهرجان الوليد، الذي استبشرنا به خيراً.  

Ad

ربما يبرر البعض ما حدث في الدورة الثانية (19 ـ 25 يناير 2013) بأن الآباء والأمهات سددن نفقات سفر وإقامة المرافقين، من الأبناء والبنات، غير أن المشكلة ليست في ما إذا كان المهرجان تحمَّل عبئاً مادياً إضافياً أم لا، لكنها تتمثل في أن الصحافي، الذي جاء بصحبة «الأولاد»، لم يجد متسعاً من الوقت لتغطية فعاليات «المهرجان»، وهذا هو الهدف الرئيس من دعوته ووجوده، وإنما تفرغ تقريباً لتنفيذ البرنامج {الترويحي» و»التسويقي»، الذي يضمن  لأفراد {العائلة السعيدة»، التعرف إلى  المعالم السياحية لمدينة الأقصر!

حسب هذا النهج من التفكير لا ينبغي أن نفاجأ إذا ساد اعتقاد لدى هؤلاء أن مهرجان الإسكندرية مجرد {مصيف» بينما يتصور أولئك أن مهرجان الأقصر أقرب إلى {مشتى»، وفي هذه الحال يتلاشى الهدف الثقافي من تنظيم المهرجانين، ويطغى الهدف السياحي، ويُصبح السفر إليهما والتواجد فيهما، بمثابة {رحلة الشتاء والصيف»!

لا أعرف كيف وقعت إدارة مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية في حبائل هذا الشرك الخبيث، الذي يسيء إلى صورة أي مهرجان في العالم ويهدد سمعته، في وقت نجحت فيه الإدارة نفسها، التي ضمت نخبة من مبدعي السينما المصرية، والخبراء الكبار على صعيد تنظيم المهرجانات السينمائية، في تكوين لجنة تحكيم ترأسها المخرج الروسي الشهير فلاديمير مينشوف (صاحب فيلم {موسكو لا تؤمن بالدموع { الحاصل على أوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 1981)، وتشكلت من كفاءات عالمية في تخصصات سينمائية عدة، كذلك نجحت الإدارة في استقطاب باقة متنوعة من الأفلام المصرية والعالمية، التي انتظمت في برنامج مُتخم عبرت عنه التظاهرات المختلفة؛ كالمسابقة الرسمية، كلاسيكيات السينما الكلاسيكية، السينما المصرية المستقلة، تكريم السينما الألمانية، تكريم النجم نور الشريف وتكريم المخرج الروسي الشهير فلاديمير مينشوف، التي جرى توزيعها على أربعة أماكن في مدينة الأقصر، التي تضم ثلثي آثار العالم، وتكثيف عرضها في ستة أيام فقط؛ حيث خصص اليوم الأول لحفلة وفيلم الافتتاح فقط.

هذا الزخم الكبير من الأفلام والتظاهرات ضل طريقه؛ بسبب أخطاء تتعلق بتقنيات العرض ما أدى إلى تأخر عروض عدد من الأفلام، واستهلاك وقت غير قليل في إصلاح أخطاء متكررة، بالإضافة إلى استخدام أجهزة عرض عتيقة الطراز كانت سبباً في استحالة مشاهدة بعض الأفلام؛ نظراً إلى عتمة الشاشة التي نتجت عن سوء الإضاءة، الأمر الذي يتطلب التفكير جدياً في ضرورة دعوة رجال الأعمال إلى الاستثمار في مجال شاشات العرض، التي يعاني الصعيد (جنوب مصر) من غيابها، وإلا سينتفي الهدف من إقامة وتنظيم {مهرجانات الجنوب»؛ فالصالات المتخصصة في العروض السينمائية معدومة، والجمهور المستهدف ما زال غائباً، وخبرة التعامل معه وفهم خلفيته وعقليته غير كافية؛ بدليل أن المسؤول عن وضع جدول العروض لم يستثمر الإقبال الكبير من أهالي الأقصر على عروض {نادي التجديف» التي يُطلق عليها {سينما الهواء الطلق». وبدلاً من أن يحفزهم على ارتياد المكان بشكل أكبر،ويُعيدهم إلى أحضان السينما، بعد أن يربي لديهم {طقوس الفرجة»، من خلال عرض الأفلام الروائية الجديدة التي لا تصل إليهم،نظراً لعدم وجود شاشات تجارية، صدم الجميع عندما اختار أن يعرض عليهم الأفلام القديمة التي استهلكوها لفرط عرضها وتكرارها على شاشات القنوات الفضائية العامة والمتخصصة مثل: {زمن حاتم مهران، ناجي العلي، المومياء». وعندما تفتق ذهنه قليلاً أضاف الفيلم الوثائقي {وقائع الزمن الضائع»، الفيلم الروسي {الحب واليمامة»، الألماني {وداعاً لينين»، ومقتطفات من السينما الألمانية، وكأنه يُنفر الناس من السينما، ويدفعهم إلى صب جام غضبهم عليها؛ إذ كيف تخيل هذا المسؤول أن فيلماً روسياً أو ألمانياً سيثير شهية المواطن {الأقصري» الذي انقطعت علاقته والسينما منذ زمن طويل؟ وما الذي سيدفعه إلى مغادرة بيته ليشاهد {ناجي العلي» أو»المومياء» وهو يعلم أن المهرجان حرمه من الأفلام الجديدة: {فيلا 69، فرش وغطا، عشم، هرج ومرج»، واكتفى بعرضها على النقاد والصحافيين؟

إقامة الدورة الثانية للمهرجان، رغم الظروف المتوترة التي تمر بها مصر، لن يكون مبرراً لتجاهل الأخطاء، أو التغاضي عن تحذير إدارته من خطورة تحويله إلى {مشتى»!