ترى جهات سياسية وقيادية لبنانية أن ما يجري في غزة اليوم بين "حماس" وإسرائيل استنساخ لما شهده لبنان في 2006 بين "حزب الله" وإسرائيل.

Ad

ففي عام 2006 نفّذ "حزب الله" عملية خطف الجنود الإسرائيليين الثلاثة تحت عنوان تحرير الأسرى اللبنانيين من السجون الإسرائيلية.

وبعد ثمانية أعوام نفّذ فلسطينيون محسوبون على حركة حماس عملية خطف المستوطنين الإسرائيليين الثلاثة الذين وجدوا مقتولين بعد أيام، ليرد المتطرفون الإسرائيليون بقتل فتى فلسطيني والجيش الإسرائيلي باستهداف ناشطي "حماس"، ما أوصل الأمور إلى ما هي عليه اليوم من قصف فلسطيني بالصواريخ على إسرائيل يرد عليه الجيش الإسرائيلي بعملية ممنهجة لتدمير غزة وقتل أبنائها.

واللافت في "التاريخ الذي يعيد نفسه" أن "حماس" التي تقصف مناطق إسرائيلية عدة بالصواريخ تراهن على استدراج الجيش الإسرائيلي إلى عملية برية، على أمل أسر جنود لاستخدامهم في التفاوض لإطلاق عشرة آلاف أسير فلسطيني وعربي لدى إسرائيل، تماماً كما سبق لـ"حزب الله" أن راهن على استدراج إسرائيل الى عملية برية واسعة في عام 2006، من أجل إلحاق أكبر قدر ممكن من الإصابات البشرية في صفوفه.

لكن الجيش الإسرائيلي على ما يبدو متمسك باستراتيجيته القائمة على أساس سياسة الأرض المحروقة، والقتل والتدمير عن بعد، وعدم الغرق في الرمال المتحركة البرية، مستفيداً من دعاية سياسية واسعة موجهة إلى المجتمع الدولي، على خلفية استهدافه بالصواريخ والظهور بمظهر الدفاع عن النفس، من أجل فرض تسوية على الفلسطينيين بعد إرهاق الشارع الفلسطيني بالقتل والدمار.

وترى الجهات السياسية والقيادية اللبنانية نفسها أن المواجهة العسكرية بين "حماس" وإسرائيل تخفي في طياتها مواجهة سياسية على السلطة بين الحركة والسلطة الفلسطينية الشرعية تماماً، كما كانت حرب يوليو 2006 بين "حزب الله" وإسرائيل تخفي مواجهة سياسية على السلطة بين حزب الله والشرعية اللبنانية.

أما بالنسبة إلى المخارج والحلول فيتوقع أصحاب هذه المقاربة أن تنتهي الحرب في غزة وعليها بمثل ما انتهت إليه حرب يوليو 2006 في لبنان، أي بقرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي يضع المناطق الفلسطينية تحت الرقابة الدولية، ويعيد إلى السلطة الشرعية الفلسطينية دورها الطبيعي في الحفاظ على الأمن والاستقرار وإدارة السياسات الاستراتيجية للفلسطينيين.

وإذا كان القرار 1701 هو المخرج الذي تم اعتماده في عام 2006، بحيث انتشرت قوات اليونيفيل المدعمة من الجهة اللبنانية للحدود مع إسرائيل، فإن قراراً مشابهاً يصدر عن مجلس الأمن الدولي يصار من خلاله إلى إيجاد صيغة رقابة دولية على الحدود البرية والبحرية لغزة، بحيث تحول هذه الرقابة دون دخول السلاح والذخائر إلى غزة من جهة، وصيغة أخرى لانتشار عسكري دولي بري في عمق الأراضي الفلسطينية التي تنطلق منها صواريخ حماس والجهاد الإسلامي في اتجاه المناطق الإسرائيلية، من جهة مقابلة.

وتختم الجهات السياسية والقيادات اللبنانية قراءتها لحرب غزة الراهنة بتأكيد أن المخرج للفلسطينيين لا يمكن أن يكون إلا بالعودة إلى الشرعية الفلسطينية وعبرها إلى كنف الشرعيتين العربية والدولية، من أجل حلول نهائية تسمح للشعب الفلسطيني بالحصول على حقوقه في دولة تتدبر شؤونه، وتحمي مصالحه وتؤمن له حاجاته. وتحذر من انكفاء "حماس" العسكري بعد انتهاء المواجهة الحالية مع إسرائيل إلى مواجهة جديدة في الداخل مع السلطة الفلسطينية، خدمة لسياسات إقليمية تمثلها إيران امتداداً للمواجهات الحاصلة في العراق وسورية ولبنان، ما سيدخل الفلسطينيين في صراعات دموية تريح إسرائيل فعلياً وتحقق لها الأمن والاستقرار على أرض الواقع، تماماً كما هو حاصل في جنوب لبنان بعد ارتداد "حزب الله" إلى الداخل اللبناني وإلى العمق السوري.