حرامية الثورات
هل يمكن سرقة الثورات مثلما تسرق الأموال، وغيرها من أمور يمكن السيطرة عليها مادياً؟ زادت جرعات الكلام عن سرقة الثورة بعد نكوص معظم ثورات الربيع العربي، وتحولها إلى خريف مرعب لا يبدو أن له نهاية قريبة، وتونس هي الاستثناء الوحيد لهذا الربيع الخاطف. الأستاذ رمزي عز الدين رمزي وكيل أول الخارجية المصرية، الذي شغل ذلك المنصب فترة بسيطة أيام حكم الرئيس مرسي، يقرر في مقال له في "فايننشال تايمز" (مارس 19) أن الثورة المصرية سرقت أيام رئيسه السابق عندما عمل مرسي على تظهير الدولة لجماعة الإخوان، بعد فوزه بالانتخابات، وصحيح أن الرئيس مرسي فاز بطريقة ديمقراطية لكنه أدار الدولة بطريقة غير ديمقراطية في رأي الكاتب، واليوم يرى أن هناك أملاً قادماً لعودة الديمقراطية، بعد أن أعاد العسكر الأمور إلى نصابها.لنعد إلى السؤال الأول هل يمكن سرقة الثورات؟ إن صحت تسميتها بثورات، فالإخوان سرقوا ثورة يناير في مصر، لكن ماذا عن انقلاب 30 يونيو؟ وماذا يمكن وصفه، سرقة أم إعادة لمسار الثورة الصحيح؟ وكيف يمكننا أن نختار وصف الواقع، بالعنوان القانوني الصحيح؟! ومن سرق ثورة ليبيا التي أطاحت بالقذافي، لابد أن هناك سرقة في ذلك البلد لكن السارق ليس واحداً، ربما الحرامية هم العشائر والقبائل التي ثارت ضد القذافي أو التي اصطفت معه، أو أن الثورة سرقت والسارق مجهول، فلا سيادة لنظام يفرض حكم القانون في مثل هذه الدولة. ماذا عن الثورة السورية، التي بدأت كحركة سلمية ضد نظام فاشي رهيب، وانظروا كيف تبدو اليوم؟! هل تمت سرقتها هي الأخرى من مجموعات دينية متطرفة مثل داعش والنصرة وجند الشام؟ وإذا رفضنا وصف نظام بشار لهم بأنهم حركات إرهابية، فكيف نصفهم بعد حفلات قطع الرؤوس والجلد وقطع أطراف سارق جاع وسرق، وتدمير الكنائس وخطف الراهبات، وتشريد الأكراد من مناطقهم؟! إذاً الثورة سرقت في هذا البلد المنكوب، فمن سيقيم حد السرقة على سراقها اليوم؟! بعد أن أقاموا الحدود على المساكين الذين استجاروا من رمضاء بشار ليقعوا في نار الجهاديين.
ماذا حدث في اليمن؟ هل تمت سرقة الثورة، أم انه لم يحدث شيء؟ فلا تغيير حقيقياً حدث، وذهب علي صالح وبقي خلفاء صالح، في بلد يشي مستقبله بتقطع السيادات حسب الطائفة الدينية والقبلية، حاله من حال سورية، والعراق، ولبنان، وليبيا، والبقية في الطريق.لنعد إلى الأستاذ رمزي، الذي شبه أيضاً ما حدث في مصر أيام مرسي بالحالة الإيرانية، فالثورة الإيرانية سرقها الملالي، يمكن أن يكون هذا صحيحاً، لكن إذا سايرنا حجج الأستاذ رمزي، فهل يبقى في التاريخ الإنساني ثورة لم تسرق؟ فأعظم ثورة في العالم، وهي الثورة الفرنسية، سرقها نابليون بعد عشر سنوات من قيامها، وثورة أكتوبر 1917 الاشتراكية بروسيا سرقها بعد سبعين عاماً من قيامها غورباتشوف، أم لعل السارق كان أحد أبطالها مثل ستالين أو من جاء بعده؟! متى يمكننا القول إن ثورة ما سرقت، وثورة غيرها ظلت في حيازة أصحابها؟ لا إجابة لمثل هذا السؤال الإشكالي، إلا أن وصف أوضاع بعض الدول العربية في السنوات الثلاث الأخيرة بالثورة التي تقود للتقدم والتنمية يظل مسألة مشكوكاً فيها.