ليست هي المرة الأولى التي تسارع فيها حركة "حماس" إلى إعلان "النفير العام"، كلما أحسّت أن المفاوضات التي تجريها منظمة التحرير مع إسرائيل، إن لم تكن جدية ففيها بعض الجدية، وبالطبع فإن الشعب الفلسطيني الذي يده في النار، كما يقال، أصبح مع الوقت ومع استمرار تكرار هذه اللعبة التي غدت مكشوفة لا يصدق هذه المراجل الفارغة، ولا يكترث بكل هذا الإرغاء والإزباد الذي ثبت أنه لا يهدف إلى تخويف إسرائيل وردعها عن عدوان جديد، بل "المزايدة" على محمود عباس "أبومازن" الذي أدرك أن المهم جداً هو الإمساك باللحظة التاريخية.

Ad

عندما رفضت القيادة الفلسطينية، التي هي قيادة منظمة التحرير، الاستجابة للشروط الإسرائيلية، وأخطرها الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، مما عكس انطباعاً بأن جولة مفاوضات الأشهر التسعة قد فشلت، وأن جون كيري عائد إلى الولايات المتحدة بلا رجعة، بادرت "حماس"، رغم مآتمها وأحزانها الكثيرة التي ترتبت على سقوط نظام حزبها، حزب الإخوان المسلمين في مصر، إلى إقامة الأفراح والليالي الملاح، وكأنه غير مهم أن تُجبَر إسرائيل على إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، وكأنه لا قيمة لأن يعترف الإسرائيليون بدولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من "حزيران" يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

إن المفترض أن هذه الحركة التي التحقت بالكفاح المسلح والثورة الفلسطينية متأخرة اثنين وعشرين عاماً، قد أدركت أن المواجهة السياسية هي استمرار للمواجهة العسكرية، وأنه لا قيمة للعمل العسكري إن لم يُتوَّج بعمل سياسي يجبر الخصم على الاستسلام ولو لبعض شروط خصمه، وأن هذه المعركة التي تخوضها القيادة الفلسطينية، التي هي قيادة منظمة التحرير لا غيرها، هي أهم كثيراً من معركة حصار بيروت في عام 1982، وهي استثمار ثوري واعٍ لكفاح الشعب الفلسطيني على مدى كل هذه السنوات الطويلة.

والملاحظ أن حركة "حماس" التي أصيبت بالحول السياسي، والتي ثبت أنها لم تتعلم من تجربة الثورة الفلسطينية العظيمة، التي أطلقت "فتح" رصاصتها في عام 1965، ولا من تجارب حركات التحرر في العالم بأسره، قد حشدت أهل غزة في ساحة الكتيبة بعد انتصارات الإخوان المسلمين قصيرة العمر وأجبرتهم على أداء قسم الولاء والطاعة للمرشد الأعلى لهذه الجماعة محمد بديع الذي هو رهن الاعتقال الآن في السجون المصرية.

لقد رفضت "حماس" أن تصبح حركة وطنية فلسطينية، ورفضت الانضمام إلى منظمة التحرير رغم كل المغريات التي قدمها الرئيس الراحل ياسر عرفات "أبوعمار"، وها هي قد عادت لتحتمي بعباءة الولي الفقيه بعدما خسرت مصر ودعمها، وها هي تطرق أبواب بعض العواصم العربية لتجد ملجأً لها في أيٍّ من هذه العواصم، وكل هذا، وهي التي أقامت، بعد انقلاب عسكري دموي على السلطة الوطنية، دولة لها في قطاع غزة، بوظيفة إيرانية كوظيفة حزب حسن نصرالله في ضاحية بيروت الجنوبية.

إذا أرادت "حماس" أن تصبح حركة وطنية فلسطينية وتتخلّص من وصاية الولي الفقيه في طهران وأيضاً من الطرق على أبواب العواصم العربية فإن عليها أن تهرول نحو الوحدة الوطنية هرولة، وأن تلتحق بمنظمة التحرير بدون أي إبطاء، وأن "تفك" علاقاتها التنظيمية المعروفة والمكشوفة بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وأن تمد يدها بيضاء بدون أي سوء لمصر العظيمة بغض النظر عمن يحكمها... إن هذا هو خلاصها الحقيقي، وإلا فإنها ستدفع الثمن غالياً إن هي بقيت تركض خلف المرشد العام، وإن هي بقيت تستظل بظل علي خامنئي، وتحاول العودة إلى "فسطاط" الممانعة والمقاومة، وتحرص على أن يكون لها سفير دائم في ضاحية بيروت الجنوبية.