مخالفة صريحة للدستور
لا يمكن قبول تبريرات مجلس القضاء الأعلى برفض تعيين المتقدمات للعمل بوظيفة باحث قانوني، بقصر القبول في الوظيفة على الذكور دون الإناث، فرغم ما يبدو من وجاهة تلك التبريرات التي ذكرها في المؤتمر الصحافي المستشار فيصل المرشد، رئيس مجلس القضاء، فإن النظام القانوني والدستوري يناقضها، فالشريعة الإسلامية بحكم الدستور هي مصدر التشريع، مثلما ذكر رئيس المجلس، لكنها ليست هي التشريع بحد ذاته، بصرف النظر عن اختلاف الآراء الفقهية في الشريعة حول تعيين المرأة في سلك القضاء المترددة بين الجواز من عدمه، ولا ينهض العرف ولا التقاليد الاجتماعية كي يكونا حججاً لرفض التعيين، فالنص الدستوري في المادة 29 الذي يحرم التمييز في المعاملة بسبب الجنس أو اللغة أو الدين له أولوية على الأعراف والتقاليد، هذا ما يمليه مبدأ السمو الدستوري والتراتبية التشريعية اللذان يفرضان أن تكون "المعايير الدستورية" أعلى مرتبة من التشريعات، ومن باب أولى، تكون أسمى من الأعراف الاجتماعية السائدة، والقول بغير ذلك لا يعني غير إهدار لحجية ذلك المعيار الدستوري العام الذي شرع أساساً لتحقيق مبدأ المساواة بين الأفراد، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لو قبلنا بحجة مراعاة العرف أو التقاليد في الشأن العام لما كان هناك مكان لعمل المرأة في الوظيفة العامة بداية، فالأعراف والتقاليد تتغير وتتطور مع تطور الواقع الاجتماعي لأي مجتمع، وهنا يأتي دور التشريعات المدنية لتعدل وتغير من هيمنة العرف، وتفرض واقعاً جديداً متوائماً مع تغير الزمان، من هنا كررت في أكثر من مناسبة أن النظر إلى القانون لا يصح قصره على أنه أداة لضبط العلاقات الاجتماعية في مجتمع ما، بل أداة ووسيلة لتقدم وتطوير المجتمع الإنساني نحو المزيد من العدالة.
باب الطعن أمام المحكمة الدستورية في رفض تعيين المرأة في وظيفة باحث قانوني متى استكملت المتقدمة الشروط المطلوبة لشغل هذه الوظيفة يجب أن يكون مفتوحاً للواتي أهدرت حقوقهن في العمل، وحتى يحدث ذلك تبقى هناك فسحة أمل لتحقيق ديمقراطية المساواة بين الجنسين في العمل القضائي، طالما فهمنا من تصريح المستشار فيصل المرشد أن مثل ذلك القرار بالرفض مؤقت، لكن في الوقت ذاته لا يصح أن يكون هذا "التريث" في التعيين لمزيد من الدراسة سبباً لهدر النصوص الدستورية.