كان عنوان صحيفة "اليوم السابع" المصرية، أول أمس الجمعة، يقول: "الإخوان يحيون ذكرى 3 يوليو بـ13 قنبلة بدائية الصنع".

Ad

لم يبتعد العنوان كثيراً عما حدث في الذكرى الأولى لـ3 يوليو 2013، وهو اليوم الذي تم فيه عزل الرئيس "الإخواني" محمد مرسي، الذي حكم الدولة المصرية لسنة واحدة، أخذها فيها، هو وجماعته، إلى شفا الانهيار والتحلل.

لكن هذا العنوان يناقض تماماً ما خطط له "الإخوان"، وأشاعوه، حين أعلنوا نيتهم الحشد في هذا اليوم.

كان ما يسمى بـ "تحالف دعم الشرعية"، وهو كيان سياسي يضم تنظيم "الإخوان" وبعض حلفائه في التيارات الإسلاموية المتطرفة، قد خطط ودعا إلى ما أسماه "هبة ثورية" تبدأ طريق النهاية لـ"خريطة طريق المستقبل"، وهي الخطة التي أعلنها الجيش المصري والقوى الوطنية والمجتمعية المختلفة غداة إطاحة مرسي، وفي أعقاب تظاهرات حاشدة لم تشهد مصر مثيلاً لها في تاريخها الطويل.

فكيف تحولت "الهبة الثورية" التي أرادها "الإخوان" إلى مجرد 13 قنبلة بدائية الصنع، وبعض التظاهرات التي لم يشارك فيها سوى المئات؟

لا يبدو أن إعلانات "الإخوان"، التي تستهدف الحشد والتثوير، تلقى آذاناً صاغية في مصر، التي بدأت طريقاً واضحاً نحو إعادة بناء المؤسسات الدستورية، واستعادة الدولة، وترميم الانهيارات التي حدثت على مدى أكثر من ثلاث سنوات، في فترة تحول سياسي مرتبكة وشائكة.

ولا يبدو أن لدى "الإخوان" وحلفائهم ما يقدمونه للمصريين الآن سوى "القنابل البدائية الصنع"، التي تسقط قتلى وجرحى أغلبهم من المدنيين، وبعضهم من رجال الشرطة والجيش.

لم تنجح خطط "الإخوان" وحلفائهم في تنظيم تظاهرات واسعة تعم أرجاء البلاد، أو استدعاء مظلوميتهم المصطنعة، وتثوير قطاعات أخرى من الجمهور، لكنها نجحت في إشاعة جو إرهابي، وتعميق جراح المصريين، وزيادة تصميم الدولة على دحر إرهابهم، والفوز بنفور وكراهية المزيد من المواطنين.

كان تنظيم "الإخوان" قد استطاع الوصول إلى سدة السلطة في مصر، في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، عبر السيطرة على غرفتي "البرلمان"، والفوز بمنصب رئيس الجمهورية.

ورغم أن التنظيم كان قد أعلن استراتيجية "مشاركة لا مغالبة"، فإنه، كعادته دائماً تنصل من كل وعوده، وأظهر نزعة هيمنة واضحة، أفضت إلى ممارسة استبدادية، تغول فيها "الإخوان"، وحلفاؤهم من التيارات المتطرفة، على كل مؤسسات الدولة، وحاصروا المحكمة الدستورية العليا، ومدينة الإنتاج الإعلامي، وقتلوا المتظاهرين  على أبواب قصر الاتحادية، واتخذوا إجراءات حادة لخلخلة المؤسسة القضائية، في ظل تراجع مزر في جميع قطاعات الدولة، وأزمة اقتصادية طاحنة، ومشكلات حياتية متكررة.

عشية يوم 30 يونيو من العام الماضي، كان محمد مرسي يحكم مستنداً فقط إلى تأييد تنظيم "الإخوان" وبعض حلفائه من "الجماعة الإسلامية"، و"تنظيم الجهاد"، وأتباع حازم صلاح أبو إسماعيل.

وفي المقابل، كان الاصطفاف عريضاً، وعلى رأسه قوى ثورة 25 يناير المدنية مجتمعة، وكل الأحزاب السياسية المدنية، والجيش، والشرطة، والقضاء، والإعلام، وحزب "النور" السلفي، ومعظم مؤسسات المجتمع المدني، والقطاعات الغالبة من الجمهور، والتي عبرت عن نفسها في تظاهرات واسعة هزت مختلف أرجاء البلاد.

وحين تمت إطاحة حكم "الإخوان" المزري، قام التنظيم ببناء استراتيجيته على التجمع غير السلمي لمؤيديه في منطقة "رابعة العدوية"، شرق القاهرة، بمساعدة إقليمية واضحة، ودعم أميركي وأوروبي ملموس.

لكن الدولة، وبعد استيفاء الإجراءات القانونية، استطاعت فض هذا التجمع، ولم يتبق منه لـ"الإخوان" وحلفائهم سوى المظلومية المصطنعة، المستندة إلى الادعاء بأن هذا الفض تمخض عن مقتل المئات من "المعتصمين السلميين"، في تجاهل واضح للإثباتات الواضحة، التي أظهرت تخزين السلاح واستخدامه ضد قوات الأمن والمواطنين، خلال هذا التجمع، وأثناء عملية الفض.

كان الزخم الذي نتج عن عملية فض تجمع "رابعة" كبيراً، خصوصاً أن دولاً إقليمية ساندت هذا التجمع بقوة، كما أن بعض الدول الغربية كانت تريد أن ترى "الإخوان" في موضع المشاركة في حكم البلاد على أقل تقدير، بعدما تعذر أن ينفردوا بهذا الحكم ويستأثروا به وحدهم.

وكان تنظيم "الإخوان" مزهواً بما حققه من "انتصارات" في "غزوات" انتخابية، استطاع فيها أن يحصل على الأكثرية عبر استخدام الخلط المسيء بين السياسي والديني، والرشا الانتخابية للناخبين الفقراء، إضافة إلى آخرين صوتوا للتنظيم احتجاجاً على فساد دولة مبارك وفشلها من جهة، وأملاً في أن يجير التنظيم الشعبية التي حصدها لمصلحة أداء سياسي ناجع يعبر بالبلاد أزماتها الكبيرة، وهو الأمر الذي لم يحدث بطبيعة الحال.

ولذلك، فقد عول التنظيم على استعادة الحكم عبر ضغط الشارع واستغلال قدرته على التعبئة والحشد، ليعيد مرسي إلى قصر الاتحادية سريعاً، لكن هذا الخيار سقط بقوة، بعدما تأكد للتنظيم أن شعبيته تآكلت وباتت منحصرة في كتلته الصلبة المنظمة.

وبعدما أخفق التنظيم في خطته لاستعادة الحكم بسرعة، وخذله حلفاؤه السلفيون، ومعهم القوى الإقليمية المساندة، التي تضاءلت طاقة فعلها أمام الإرادة الشعبية الكاسحة للمصريين، رأى التنظيم أن يغير استراتيجيته، محاولاً استدعاء الحالة السورية إلى مصر.

في هذه الأثناء ظهرت التصريحات عن إنشاء ما سمي بـ"الجيش المصري الحر"، وراح الإرهاب يضرب بعنف في سيناء، وانتقل إلى الوادي، الذي شهد تفجيرات قوية ومؤثرة في مناطق حيوية، راح ضحيتها العشرات من الأبرياء.

أخفق التنظيم في استدعاء الحالة السورية إلى مصر، ورغم أن قياداته أعلنت في اليوم الذي تم فيه فض تجمع "رابعة"، "عمليات استشهادية" وتفجيرات وسيارات مفخخة تضرب البلاد طولا وعرضاً، فإن تلك الاستراتيجية سقطت وفشلت فشلاً ذريعاً، بسبب المواجهة الأمنية من جانب، وتكاتف المواطنين مع الدولة من جانب آخر، والتفافهم حول النظام الانتقالي الذي نجح في قيادة البلاد في فترة شديدة الصعوبة، واستكمل خطوات "خريطة الطريق" بإصرار واضح.

وحين حلت ذكرى 3 يوليو الأولى يوم الخميس الماضي، كانت مصر تمتلك دستوراً جديداً، تم إقراره في شهر يناير الماضي، بنسبة مشاركة وتأييد أكبر من تلك التي حصل عليها دستور "الإخوان" المعيب، الذي تم إقراره في عام 2012، بعدما انسحبت كل القوى المدنية المشاركة في إعداده من الجمعية التأسيسية التي تم تشكيلها لصياغته.

والأهم من ذلك أنه تم انتخاب عبدالفتاح السيسي رئيساً لمصر، في انتخابات شهدت جهات المتابعة الدولية بنزاهتها، بعدما حصل على أكثر من 25 مليون صوت، وتلقى دعماً وتأييداً ومباركة دولية وإقليمية واضحة.

كان تنظيم "الإخوان" مطالباً عشية الذكرى الأولى لإطاحته من الحكم بأن يوهم حلفاءه وأنصاره بأنه ما زال فاعلاً وقادراً على التأثير، ولذلك، فقد عمد إلى الدعوة إلى "الهبة الثورية" المزعومة، وطالب أنصاره بالاحتشاد على مدى أسبوع كامل في الميادين للتهيئة لليوم الموعود... 3 يوليو.

لكن 30 يونيو، وبعده 3 يوليو مرا على مصر بسلام، رغم التفجيرات الخائبة العشوائية، ولم ينجح التنظيم وحلفاؤه سوى في تفجير القنابل البدائية الصنع، وحشد المئات في تظاهرات بائسة، يتصدى لها الجمهور بأكثر مما تفعل قوات الأمن.

يبدو أن مصر ستمضي قدماً في تفعيل "خريطة المستقبل"، وستنجح في تنظيم الانتخابات البرلمانية، التي ستتم الدعوة لها في الشهر الجاري، وسيصبح لديها مجلس نواب منتخب، إضافة إلى الدستور، ورئيس الجمهورية، وبذلك تكون قد استكملت خطوات "خريطة الطريق" التي تم الإعلان عنها بكفاءة ملحوظة.

ويبدو أن تنظيم "الإخوان" يصر على مواصلة استراتيجية "الانتحار السياسي"، التي لا تتضمن سوى تفجير قنابل بدائية الصنع، وتنظيم تظاهرات بائسة يشارك فيها المئات، وهي استراتيجية لا يمكن أن تمنحه موضعاً في مستقبل البلاد السياسي، والأخطر من ذلك أنها تكرس النفور والكراهية لأفعاله وقياداته وأعضائه في نفوس المصريين.

* كاتب مصري