أصاب النائب صالح عاشور قلب المصلحة الوطنية عندما طرح فكرة أن تكون علاوة الأطفال والزيادة المقترحة عليها تشمل ثلاثة أطفال فقط، موضحاً أن التحديات الاقتصادية التي تواجه البلد تدعو إلى مراجعة سياسة التشجيع على زيادة الإنجاب، وهي بالتأكيد حقيقة تتماشى مع ما تطرحه الحكومة من نظرة اقتصادية مستقبلية حالكة السواد خاصة في ما يخص قدرتها على توفير الوظائف والخدمات الأساسية من صحة وتعليم وإسكان للكويتيين، وإعلان الحكومة سابقاً أن دولة الرفاه انتهت أو على وشك ذلك.

Ad

أُدرك أن ما اقترحهُ عاشور وما سأقوله كلام غير شعبي، ولكنه الحقيقة التي يجب أن تقال، فالكويت دولة شحيحة الموارد المتعلقة بحياة الإنسان ومتطلباته البيولوجية من ماء عذب وغذاء ووسائل إنتاج، لاسيما أن الموارد البحرية الغذائية تتعرض للشح بسبب التلوث البيئي المستمر، والثروة الطبيعية الوحيدة التي تمكننا من تعويض ذلك هي البترول الذي سينضب، ويمكن أن يوجد في أي وقت بديل له فتنتفي قيمته والمردود الناتج عنه، لذا فإن معدل زيادة السكان المرتفع في الكويت - الذي يعتبر الأعلى في العالم - هو عامل إضافي سيؤدي إلى زيادة النظرة المتشائمة لمستقبل البلد.

السلطة قامت منذ منتصف ستينيات القرن الماضي بعمليات تجنيس واسعة لأهداف مختلفة، الرئيسي منها هدف سياسي حققته لفترة محدودة قبل أن ينقلب عليها مؤخراً، وتيرة التجنيس زادت في السبعينيات قبل أن تخف وتتوقف تقريباً في الثمانينيات لتعاود الارتفاع بشدة  في الفترة بين 1995-2005 ونتيجة لذلك، إضافة إلى التشجيع على الإنجاب عبر علاوة الأطفال وغيرها من الامتيازات، تضاعف تعداد المواطنين الكويتيين نحو 3 أضعاف خلال أقل من 50 عاماً، وهو معدل غير طبيعي بكل المقاييس العلمية والدولية.

تلك الزيادة الكبيرة المفتعلة لتعداد الكويتيين لم يكن لها أي فائدة ملموسة في المجال البنيوي والأمني والدفاعي للدولة، وخير دليل على ذلك تجربة الغزو، وحاجتنا حالياً إلى اتفاقيات دفاعية مع الدول الكبرى للحفاظ على أمننا الوطني، والنتيجة الفعلية لتلك الزيادة هي اهتزاز الهوية الوطنية وضرب الانسجام الاجتماعي، بالإضافة إلى ما نشهده من انهيار الخدمات في المستشفى والمدرسة والمستوصف والشارع، وحيرة الحكومة في مواجهة 140 ألف طلب إسكاني وتوفير الرواتب لعشرات الآلاف من طالبي العمل سنوياً، وبناء محطات تحلية المياه التي لم يتبق مواقع كافية على السواحل لبناء المزيد منها، وكذلك محطات توليد الكهرباء لإسكان الأعداد المتزايدة للمواطنين.

لذا فإن استمرار تشجيع الكويتيين على زيادة الإنجاب وصفة انتحارية ستستنزف ما تبقى من مقدراتنا، وستجعل الأجيال القادمة تتصارع على مواردنا المحدودة، وستزيد أزمتنا الاقتصادية التي تبشرنا الحكومة مع بنك الدولي بأنها ستنفجر عام 2021 ولن يمكنها حتى أن تدفع الرواتب، ونتيجة لذلك سيهيم المتقاعدون الكويتيون حول بيوت العجزة في العالم، بعد أن تعجز الدولة عن صرف رواتبهم (فيما يخص المتقاعدين فهذا تنبؤ متصور من عندي بعد تواتر سماعي للصورة السوداوية التي تروجها الحكومة وبعض الاقتصاديين لمستقبل الكويت المالي)، ومع استمرار هذه الأوضاع ورفض أصحاب القرار اقتراح الضريبة على الدخول العليا والشركات فإن الإفراط في الإنجاب هو كارثة وطنية يجب منعها باعتماد مقترح النائب عاشور وإجراءات أخرى يجب ابتكارها وتطبيقها فوراً.