شهد والهم الوجودي

نشر في 24-11-2013
آخر تحديث 24-11-2013 | 00:01
 ناصر الظفيري في سنوات سابقة كان معرض الكتاب العربي بوابتنا الى القراءة في وسط جفاف كتابي كويتي وانتاج أدبي محدود لا يشكل نسبة مقارنة في ما تنتجه دور النشر العربية. ربما كانت تلك سنوات البناء التي لا بد منها للوصول الى مستوى من الانتاج الأدبي يستحق أن نشير اليه ويتلمسه الآخر في الابداع الخليجي والكويتي على وجه الخصوص.

قررت منذ سنوات أن تتزامن زيارتي للكويت وأيام معرض الكويت للكتاب وتفاجئني كل سنة كتابة أولى مميزة لكاتب كويتي على مستوى الابداع الأدبي. ذلك يجعلني أشعر بأننا نسير على الطريق السليم.

العمل الأول للكاتب هو بداية الجرأة على النشر والتواجد الحقيقي وربما يرى البعض أن الكثير من الكتابات هامشية ضعيفة المستوى ولكننا نتجاهل أنها الطريق الأول للفعل القرائي الذي سيتطور حتما الى الأفضل وان لم يتطور الفعل الكتابي لهؤلاء الكتاب. ولكنني كل عام أخرج بأكثر من اسم يستحق القراءة والتنويه له كعمل أول لافت للنظر. ومفاجأة هذا العام كانت الشاعرة شهد الفضلي في عملها "فاصلة منقوطة" الصادر عن دار مسعى للنشر.

شهد الفضلي شاعرة شابة متزنة الخطى تسير بثبات نحو نص أدبي قادر على الادهاش والابتكار. وهي احدى شاعرات الهم الوجودي تحمل قضية آثرت أن تعالجها فنيا بعيدا عن مسميات لا يحتملها النص الأدبي. ذلك وعي مبكر ومبشر بأهمية العمل الأدبي والتعامل مع النص الأدبي بعيدا عن تفاصيل قد تربكه وتقوده نحو تقريرية قاتلة.

ليس هناك اسهاب ولا تفاصيل في نصوص قصيرة حادة كالنصال تخترقك فجأة. نص يتجول بين أسطره وطن لم يتحقق له الاكتمال وذات تكابد في عنائها عناءه المستمر منذ بداية الوعي به،

" تخافين عليه كأم/ ويقتلك في كل مرة كجندي طائش/ هذا المسمى "وطن".

هذه العلاقة الشائكة بين الوطن ككيان وسطوته على الذات العاشقة وسحقها بطيش غير مبرر هي علاقة توقف الذات عن ممارسة انسانية تجاه الآخر. لا تنجح في ظل فشل هذه العلاقة غير العادلة أي علاقة أخرى. لا نجد اكتمالا لأي صورة ممكنة لوجود الشاعرة كانسانة لها الحق في الحب البسيط. فحين يفشل حب الوطن الأسمى لا يصلح القلب لأي حب آخر،

ماء في جيب قلبي/ خلاصة منهم ومن مواويلهم/ ذات نحن، / مد قلبه ليشرب / فنهرته الأقدار قائلة: غير صالح للحب...! وبكيت.

لغة شهد الفضلي منتقاة مرسومة بلا تناقض مكثفة وحادة جارحة ومرة حزينة دون تهويل لفاجعة الروح التى تتلمس أنفاسها وهي تتساقط لتكتشف أنها ترسم الموت حولك ليتمكن منك هكذا فجأة دون أن تشعر بألمه الحقيقي،

لا تبتسم / اكتب قصيدتك الأثيرة/ ثم مت.

الموت ليس نهاية وانما فعل معيش كتناول الافطار صباحا كالذهاب الى العمل أو ككتابة قصيدة،

لم يكن ميتا / في زاوية الشارع كانوا ينتحبون على جثته / وهو يضحك!

لا أعرف أي قصائد شهد الفضلي أكثر استحقاقا للاستشهاد بها، كل هذا العمل يستحق القراءة ببطء وهدوء شديد لنكتشف بعدها أن لهذا العمل قيمة علينا ألا نهدرها.

back to top