رغم أن الكاتب والشاعر الجزائري مالك حداد لم يُصدر سوى ديوانين في حياته هما {الشقاء في خطر} و{أنصت... سأناديك}، فإنه يعتبر من قلة من الكتاب المتمكنين من ناصية الشعر إلى درجة أن كلامه العادي ومقالاته الصحافية كانت شعراً. إنه ساحر يسحر كل من يقرأه أو يستمع إليه. حتى وإن شاء دارسون أن يصنفوه في خانة الكاتب الملتزم، فإن التزامه كان طبيعياً، أي أنه ابن مواقفه الشخصية من الحياة والعالم لا وليد إكراه خارجي.

Ad

مواقفه التي آخذه عليها مثقفون مثلاً، ومن بينها تدعيمه للانقلاب الذي قام به الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين على سلفه أحمد بن بلة، وخدمة لنظامه بعد ذلك، جاءت عن قناعة الكاتب أن البلاد في طور البناء، وتحتاج إلى إسهامه. هو اليساري الذي انتمى في شبابه الأول إلى الحزب الشيوعي. بل إنه لم يكن يتردد في انتقاد الذات.

في مقدمة الكتاب، يلفت بو فنداسة إلى أن مواقف مالك حداد كانت واضحة من الثقافة الوطنية والهوية والعربية، وكان يعتبر نظام التعليم الفرنسي الذي ساد خلال الاستعمار في الجزائر منهجاً لتحويل الجزائري الذي يجتاز البكالوريا إلى فرنسي. كذلك قال لزملائه بحرقة، إنه كان يتمنى أن يقرأ المتنبي وأحمد شوقي بالعربية. إلا أن ذلك كله، حسب سليم بو فنداسة، لا يبرر الصمت المأساوي الذي خلد إليه الكاتب بعد الاستقلال وتوافقه التام مع السلطات إلى غاية وفاته. ويجعل من سلوكه أمراً محيراً يحتاج إلى الدراسة، في ظل نقص الشهادات التي قدمت عن الكاتب من مجايليه ومعارفه الذين حولوه إلى أيقونة غير قابلة للنقد.

تأثير مستمر

يعتبر بو فنداسة أن مالك حداد ما زال يمارس سحره على الأجيال الجديدة من قراء المغرب العربي الكبير وكتَّابه، كأن الموت والصمت لم ينالا من حضوره، كأن تأثيره يزداد كلما رسخ في الغياب. والمدهش في حالة حداد الذي كتب بالفرنسية أن تأثيره امتد إلى كتَّاب العربية، كشأن أحلام مستغانمي التي وقعت تحت سطوة لغته في ذاكرة الجسد. هي التي لم تخفِ ولعها بحداد شخصاً ونصاً. يضيف بو فنداسة أنه ورغم رحيله المبكر، فإن مالك حداد احتل مكانه الأثير بين الآباء المؤسسين للأدب الجزائري، في الرواية كما في الشعر. ولم ينل من هذه المكانة شح إنتاجه الذي توقف في أربع روايات كتبها في السنوات الأربع التي سبقت استقلال الجزائر ومجموعتين شعريتين إلى جانب أشعار ومقالات متفرقة. ويكشف نتاج حداد عن كاتب فريد من نوعه كان من أوائل الكتاب الذين استدرجوا الشعر إلى أرض الرواية. لكنه مقابل ذلك لم ينل حظه من الدراسة ومن الترجمة إلى العربية.

رغم أن غالبية نصوص حداد كتبت في المرحلة الأخيرة من حرب التحرير الجزائرية فإنها ما زالت تحافظ على {راهنيتها} لأن الحياة كانت موضوعها الرئيس. بداية من حياة الكاتب التي نكتشفها من نصوصه الروائية والشعرية، التي كانت بمثابة مسيرة مموهة. فقد ظهر في أكثر من رواية كأحد الشخصيات، خالد بن طوبال في رواية {رصيف الأزهار لم يعد يجيب} هو مالك حداد الذاهب إلى فرنسا لملاقاة صديق، وهكذا الحال في أكثر من حالة في رواياته.

بدوره المترجم شرف الدين شكري، يؤكد أن كتابات مالك حداد في النصف الأخير من خمسينات القرن الماضي، كانت تحمل أولى تباشير الكتابة السوريالية العربية، وأولى الرؤى الشعرية التجديدية التي سيعتمد عليها الشعر العربي المكتوب باللغة العربية لاحقاً، والشعر الفلسطيني خصوصاً، وشعر محمود درويش تحديداً.

{أنصت... وسأناديك}

رغم أغاني الأدغال المحروقة

أنصتوا إلي،

إنني أتحدث بلسان الأموات

أنصتوا إلي،

إنني أخط بي

 مكسورة على قيثارها

مرآتكم أنا وجميل هو المجرم

وأنا أحمل الشحوب المناسب

لتلك الحقيقة التي تؤلم حين تقال

إحذروا سارقاً، كلما عثر شاعر

في قلب إلهامه وفي قلب الكلمات

كلماتي التي أخطها أنا تهوى الحساب:

تم القضاء على كذا جزائري!

....

إحذروا سارقاً، كلما همّ بكتابة قصيدة

جال في التاريخ

صنع الجمال بكلمات

وزها بنفسه وهو ينظر إلى المرآة

مقصورة القش وكذا القلب؟

عند أعالي الجزائر

فيلا سيزيني

هي برج صبابتي

جل حقائقي هي حلم لا ينقضي

علموني أن الطيبة تربض بجانب الأطفال

أنا

عددت

الأحياء

والأموات

والناجين

يلزمنا ألف سنة كي نقوى على النسيان