مَن يتحمل المسؤولية؟!
من حق الدول الأوروبية أن تلجأ إلى كل هذا الاستنفار لمحاصرة ذهاب شبانٍ من مواطنيها إلى سورية والالتحاق ببعض التنظيمات الإرهابية، فهي، أي هذه الدول، قد عانت ولاتزال تعاني عودة مثل هؤلاء من أفغانستان وارتدادهم على بلدانهم والالتزام بتعليمات "القاعدة" للقيام بعمليات تدمير وقتل إجرامية لا مبرر لها على الإطلاق، وتُحرِّمها كل الأديان السماوية وكل الشرائع والقوانين الإنسانية.ورغم أنه لا يجوز لكائن من كان أن يعترض على ما تقوم به الدول الأوروبية فإنَّ الأحرى بهذه الدول، لتنجح في هذه المهمة، أنْ تعالج الحواضن التي تُفرِّخ مثل هؤلاء الإرهابيين، والمفترض أن ما لا نقاش فيه أنَّ سورية بالعنف الأهوج، الذي يمارسه نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري، بدوافع مذهبية وطائفية باتت واضحة ومعروفة، وبتحوّلها إلى ساحة صراع إقليمي ودولي، قد أصبحت مَفْرَخةً للإرهاب مثلها مثل أفغانستان وربما أكثر.
عندما يدفع "حزب الله"، الذي جرى تصنيفه دولياً على أنه منظمة إرهابية، بأكثر من عشرة آلاف من ميليشياته للقتال في سورية ويرتكب جرائم أكثر دموية من جرائم "داعش" و"القاعدة"، وعندما يُرْسل الطائفيون في العراق "فيلق أبوالفضل العباس" و"عصائب الحق" و"ذو الفقار" ونحو عشرة فيالق مذهبية أخرى للقيام بالمهمة نفسها التي يقوم بها حزب حسن نصر الله، فإن على الأوروبيين وغيرهم أن يبادروا إلى معالجة هذه المسألة بنفس مستوى معالجتهم لمشكلة التحاق أعداد من مواطنيهم بالتنظيمات الإرهابية على الساحة السورية. ولعل ما يجب أن يتذكره الأوروبيون ومعهم الأميركيون أنهم هُمْ مَن فتحوا الأبواب أمام هذه الظاهرة المدمرة عندما لجؤوا إلى محاربة الجيوش السوفياتية وإخراجها من أفغانستان بإعلان استنفارٍ عامٍ، كانت مشاركة الإخوان المسلمين فيه أساسية ورئيسية، لتجنيد المتطوعين من كل أرجاء الأرض وإرسالهم، بعد إقامة معسكرات تدريب لهم، لـ"الجهاد في سبيل الله" وإخراج الجيش الأحمر الشيوعي من دولة إسلامية.لقد كان هؤلاء الذين يشكو منهم الأوروبيون الآن مُرَّ الشكوى يُعتَبرون مقاتلين من أجل الحرية، وكانت الدول المتبرعة، تحت الضغط الأميركي والأوروبي ومناشدات شيوخ الإخوان المسلمين، قد وفَّرت لهم أكثر من عشرين ملياراً من الدولارات كان بالإمكان، بدلاً من إنفاقها على تجميع الإرهابيين من أربع رياح الأرض، استخدامها لمحاربة الفقر والتخلف في الدول التي كانت تزوِّد ساحات "الجهاد" في أفغانستان بالألوف من الشبان الذين أصبحوا إرهابيين وغدوا عبئاً مرعباً على بلدانهم وعلى الحضارة الإنسانية كلها والعالم بأسره.ألم يكن أسامة بن لادن يَنْظُرُ إليه الغرب على أنه أمير الجهاد في سبيل الله ضد الاستعمار السوفياتي في أفغانستان وضد الشيوعية العالمية؟! ألم يكن الشيخ عبدالله عزام، الذي لو أنه بقي على قيد الحياة ولم يُقتل في بيشاور بسيارة متفجرة لكان الآن مطارداً ومطلوباً بالتهمة نفسها التي يُطارَد بموجبها أيمن الظواهري... ألم يكن في نظر الغرب كله مجاهداً عظيماً ومدافعاً باسلاً عن المسلمين ومقاتلاً من أجل تحرير الشعوب وفي مقدمتها الشعوب الأفغانية؟!إنَّ المشكلة تكمن في أنَّ هذا الغرب بقي صامتاً بينما كان نظام بشار الأسد ونظام الملالي في إيران منهمكَين في صناعة هذا الـ"داعش"، وأنه، بمواقفه المتذبذبة غير الثابتة وغير الحاسمة، جعل الأمور في سورية تصل إلى هذه الأوضاع المأساوية... وأنه بتلكؤه وعدم حسمه للأمور منذ البدايات قد حوَّل هذا البلد إلى ساحة صراعات إقليمية ودولية باتت تستقطب كل هؤلاء الإرهابيين الذين جاء بعضهم من أوروبا، والذين باتوا يشكلون هاجساً مرعباً للدول الأوروبية ومعها الولايات المتحدة الأميركية، ولذلك أفلا يعني هذا أن هذه الدول هي مَن يتحمل مسؤولية هذا كله، وأنها مَن يتحمل أيضاً مسؤولية كل هذه المجازر التي ارتُكِبت وتُرتكَب وكل هذا الدمار والخراب الذي حلَّ بدولة شرق أوسطية ملاصقة للقارة الأوروبية؟!