سوق السلاح... مونمارتر وخان الخليلي!
تخيلوا لو أن ملاك مباني واجهة حي مونمارتر التاريخي الباريسي الشهير أو أصحاب البازار في إسطنبول أو تجار خان الخليلي في القاهرة قرروا هدم تلك المعالم التي تميز مدنهم، أو قرر المنتفعون بالعقارات التي تحيط ببلازا مايور وسط مدريد تغيير واجهات عقاراتهم التاريخية أو حتى زيادة عدد طوابقها... ماذا كان سيحدث؟ بالتأكيد أن أحداً منهم لن يجرؤ على فعل ذلك، لأنهم يعلمون أن حكوماتهم وشعوبهم ستواجههم بكل قوة، لاسيما أن تراثهم مصون بقوانين تحافظ وتحمي المواقع والمباني التاريخية.بينما في الكويت سيسارع بعد أيام ملاك "سوق السلاح" وما جاوره في قلب مدينة الكويت التاريخي لإزالته، بينما الحكومة مازالت تردد أنها عاجزة عن فعل شيء لأنها أملاك خاصة! وتصوروا لو أن حكومات وشعوب فرنسا وتركيا ومصر وإسبانيا رددوا نفس تبريرات حكومتنا، لكانت أهم معالم تلك الدول وتاريخ البشرية قد دمر وأزيل، وهو ما لم يحدث بالطبع، لأن تاريخ الدول وتراثها ليس معروضاً للبيع والمنفعة الخاصة على حساب المصلحة العام، بينما في الكويت كل شيء للبيع، حتى أضحى الأمر يشبه توزيع الغنائم أو تصفية تركة بلد مؤقت.
عندنا كل شيء معروض للتداول والمساومة والصفقات، وزعوا أسماء الشوارع والمناطق فئوياً وطائفياً وقبلياً، وغيروا معالم البلد فغاب شارع الاستقلال والدائري الرابع وخلافه من معالم الديرة وطرقاتها، وأطلقوا تسميات جديدة عليها لشخصيات بعضها عليها جدل بسبب دورها في كبح نهضة البلد وتطوره، وهدموا كل ما له صلة بتاريخ الكويت في الشرق والقبلة، وتركوا القليل الذي يخص البعض، وكأن الكويت تخص فئة محددة لا غير.عملياً ما حدث قد حدث، لكن الإمعان في تدمير تراث البلد ومعالمه هو بلاشك جريمة، ورسالة أيضاً بالغة السوء للجميع والأجيال القادمة بأن البلد بلا جذور، وكل شيء فيه متداول للبيع والشراء، بينما الشعوب الراسخة والمتجذرة في أرضها لا تمحو تراثها بإزالة معالمها، وتغيير أسماء المناطق الرئيسية فيها، ولذلك لا يستطيع كائن من كان أن يغير واجهة مبنى مصنف تاريخياً في بوسطن أو لندن أو روما، لكن عندنا عندما طالب العديد بأن تحفظ المباني التراثية القليلة المتبقية في منطقة السالمية، وتحديداً مبنى منجرة الصباح وما حولها، لتكون الدلالة الوحيدة على الطابع الكويتي في هذه المنطقة المليئة بالمباني الأسمنتية، كانت مطالبهم لا يرد عليها ودون جدوى.لذلك فإن المطلوب اليوم أن يتداعى الجميع، وعلى رأسهم حكومة دولة الكويت، لوقف إزالة سوق السلاح، هذا المعلم المهم في مدينة الكويت، والإيعاز لبلدية الكويت بوقف منح أي رخصة هدام للموقع، وأن تسارع الحكومة لتقديم قانون عاجل يصنف المواقع والمباني التاريخية وفق مرجعية متخصصة، ليقره مجلس الأمة على نحو مستعجل في جلسته العامة المقبلة، بدلاً من استهلاكها في المناورات والجدل السياسي الذي يملأ البلد وقاعة عبدالله السالم طحناً لكننا لم نر منه طحيناً حتى الآن!