«تلك، أيضاً، رعشة السكين» لعبد الكريم كاظم... صلاح فائق وفن الكولاج

نشر في 01-07-2014 | 00:01
آخر تحديث 01-07-2014 | 00:01
عن دار {مخطوطات} في هولندا، صدر كتاب للناقد عبد الكريم كاظم بعنوان: {تلك، أيضاً، رعشة السكين- صلاح فائق وفن الكولاج ـ 2014}. صمم الغلاف: ناصر مؤنس، وصورة الغلاف هي كولاج للشاعر العراقي صلاح فائق، إضافة إلى عنوان الكتاب المقتبس من قصيدة للشاعر نفسه.
يتضمن كتاب {لك، أيضاً، رعشة السكين» مجموعة من كولاجات صلاح فائق مقرونة بقصائده، مع دراسة معمقة للناقد عبد الكريم كاظم توضح تجربة فائق الفنية والمليئة بالاستشهادات من التجارب العالمية التي تغني النظر في البعد الجمالي والفني لتجربة فائق الكولاجية والقصائدية.

 تناول الناقد في الكتاب جملة من الموضوعات المتصلة بفن الكولاج وهي بالترتيب: {التكثيف الشعري الرمزي من خلال معنى الكولاج ودلالاته الفنية، عناق شعري بين النص والكولاج، علاقة الشعر بالكولاج، البحث عن المعنى الآخر، الكشف عن طبيعة الخيال، فضاء اللغة الشعرية، اللغة اللامرئية: لغة في اللغة، التواصل اللغوي بين الشعر والكولاج، لا شيء يقع خارج الشعر، وأخيراً، تغيير العالم لا يكون بالتمنّي بل بالمعرفة... هذه الموضوعات كافة، التي تحدث عنها الناقد عبد الكريم كاظم، تناولت عناصر فن الكولاج الجمالية وطبيعة الترابط الفني ما بينه وبين النص الشعري: {يسعى الشاعر إلى كتابة تأريخ العالم القديم والجديد عبر مخيلة شعرية جامحة تمزج النص بالكولاج كأن الشعر هنا يريد أن يشكل عالماً جديداً مغايراً يعبر عن المستقبل ومقاربته ويرد الراهن المسكون بالمفارقات}.

 

دلالة واضحة

بحسب رؤية الناقد، كولاج صلاح فائق بالغ الدلالة، فهو لا يعبّر فقط عن المعنى الجمالي بل يشير إلى دلالة جديدة لا تفصل بين فن الكولاج والنص من جهة وبين الشبهة التي ألصقها البعض بهذا النوع من الفنون، وقد أشار الناقد في إحدى فقراته إلى هذه النقطة بقوله: {تحرر فن الكولاج من الشبهة التي ألصقها البعض، من النقاد، به ألا وهي شبهة الإقامة في السياسي}. وقد تناول الكتاب أيضاً الموقف الجمالي للشاعر من خلال علاقة الشعر بالكولاج، إذ يرى الناقد أن الشاعر صلاح فائق لم يدلّل على أن الكولاج أعلى مرتبة من الشعر وإنما دلل على أن كلاً من الشعر والكولاج له طريق خاص يصل إلى المعنى المنشود، فيلتقيان أو يتجاوران في نهاية المطاف: {الكولاج الذي يتم اختياره من الشاعر ينطلق من مفهوم جمالي محض ليصل إلى بناء المعنى أو فكرة مجاورة للنص الشعري}. من هنا أيضاً يمكننا القول إن الناقد في قراءته لفن الكولاج يستند إلى المعنى الجمالي بوصفه من مقدمات ضرورية جمالية وقياسه لهذه المقدمات، يستند إلى المعنى المتصل بالكولاج وإلى قراءة المعنى الموازي في النص الشعري، وهذا ما لمسناه في هذه العبارة: {وجد في الكولاج طريقة مغايرة لكتابة تجربته الشعرية المتصلة بتجربته الجمالية}.

والنافل في الوسط الثقافي أن صلاح فائق، بين قلة من الشعراء المعاصرين، اختار الكولاج مع النص، عالمان متناقضان ومتشابهان في الوقت نفسه، وخلافاً لمعاصريه وجد في الكولاج {طريقة مغايرة أخرى لكتابة تجربته الشعرية المتصلة بتجربته الوجودية والذاتية والجمالية}. في نصوصه إقامة دائمة لعلامات الاستفهام، ما يؤدي إلى عدم استطاعة قراءة نصوصه منفصلة عن الكولاج، إنه تشابك يشكِّل نصاً متميزاً ويؤكد لنا حقيقة أن كل نص يكتبه الشاعر تصنعه تجربة ما ويحمل بين دلالاته أسئلة وجودية وكونية كثيرة، ويمتزج النص بالمعنى الرمزي للكولاج لا المعنى التقليدي المعروف الذي يتضمن البعض من قصصات الجرائد وأجزاء من الورق الملون المصنوع يدوياً وبعض الصور الفوتوغرافية وبعض الأعمال الفنية، وبذلك يمنحنا هنا المزج طريقة جديدة للكشف عن المعنى المراد من النص والكولاج في الوقت نفسه.

يرى المؤلف أن صلاح فائق مشغولا، كما نلمس في غالبية نصوصه وطبيعة اختياره للكولاج، برغبته في أن يجعل قراءة المعنى حاضرة على نحو متواصل مثلما يجعلنا أن نفكر بطريقة جديدة لإقامة اتصال فني جمالي مع فن الكولاج وهي فكرة مغايرة ترى أن تأثير الكولاج في النص الشعري شيء يتطلب التعاطي معه نقدياً. لكن الشاعر، رغم أساليبه المتنوعة في الكتابة الشعرية واختيار الكولاج، يؤمن كشاعر أنه مع هذا الفن البصري ويستطيع أن يصنع أفق نصوصه ورؤيته وانطباعاته.

الكولاج الذي يتم اختياره من الشعر ينطلق، أيضاً، من مفهوم جمالي محض ليصل إلى بناء فكرة مجاورة للنص تعبر عن تطلعات ومتابعات وإشارات الشاعر في الحياة والموقف كما في الشعر.

كما نرى وكما يبين الناقد، يصنع صلاح فائق في قصائد السريالية والغرائبية كما في كولاجه صوراً مغايرة وصادمة هي أقرب إلى التركيب الذهني منها إلى التشكيل التجريدي، وهو في ذلك أنما يعبر أن إيمانه التلقائي لهاجسه الفني والجمالي واللغوي. النص الذي يكتبه صلاح يدور حول الرموز والتفاصيل والوجود والذات والحياة ومشاهداته الخاصة، بل يمضي إليه مدفوعاً برغبة البحث عن المعنى الآخر الذي يجعل القارئ النقدي واقفاً بين المعنى وبين طريقة العثور عليه أو بين الرمز وبين الصورة الذهنية المكثفة المتصلة بالكولاج، وبين اللغة الشعرية وبين بلاغتها.

back to top