البيرق والريح

نشر في 20-07-2014
آخر تحديث 20-07-2014 | 00:01
 ناصر الظفيري الفن الأكثر وعورة والأقسى ممارسة والأكثر تحاشياً من القراء حالياً ومجافاة، هو فن القصة القصيرة. وربما لا يجد القارئ الكثير من الأعمال القصصية التي تستحق أن يتوقف أمامها وتثير حماسته لقراءة مجموعة قصصية تحتاج إلى بناء خاص وكاتب يجيد الإمساك بخيوط كل العمل القصصي.

 في الكويت، حتى لا أذهب بعيدا لمناطق أخرى، قلة هم القصاصون الذين يجيدون الإمساك بخيوطهم الدرامية وتماسك الصوت القصصي في مجموعة متباينة، أحدهم بسام المسلم.

في مجموعته "البيرق... قصص في مهب الريح" يمسك المسلم بقارئه أولا ونسيجه القصصي ثانيا ولا يفلت أيا منهما. يجيد استعمال اللغة وتطويعها باختصاراتها وتكثيفها. جمل قصيرة لا ترى فيها ترهلا ولا حشوا يزيد على حاجة البناء الدرامي. ورغم أن موضوعاته القصصية وثيماتها المطروقة لم تكن جديدة كمضامين، فإن المسلم تناولها بحرفية قصصية جديدة بعيداً عن التقليدية نوعا ما.

في قصة "ليلة مع عروس البحر" يدخل المسلم عالم الحياة البحرية الكويتية، ليس مصورا فوتوغرافيا للعلاقة بين البحر والإنسان في مرحلة الغوص والسفر، وهو ما تكرر كثيرا في أعمال سابقة لكتاب كويتيين سبقوه إلى ذلك، وإنما يدخل هذه الحياة بصورة إنسانية لا يقدم لنا فيها الصورة البيضاء للرجل الكويتي القديم، والذي يصارع قسوة البحر والحب. فصراع قريبين على قلب فتاة هو أكثر مرارة من صراع شابين في وجه أخطار البحر وشظف العيش.

وهو كذلك في القصة الثانية "الشفق الأحمر" لا يقدم لنا الصورة النمطية للعلاقة الأسرية حين يقع الإنسان تحت وطأة الجشع، ملقيا اللوم على شياطينه الذين لازموا تفكيره التدميري للانتقام من نفسه أولا وممن هم حوله في سبيل رغبته وشهواته للمال والسلطة.

لا ينتمي بسام المسلم إلا للمدرسة التقليدية في تشكيل القصة القصيرة، ولا يغادرها من أوسع أبوابها. هناك تجديد تصويري وتقني ورؤية قصصية مغايرة لمفاهيم القصة القصيرة، ولكنه أيضا ينتمي إلى هذه المدرسة في محاولة للوصول إلى ما يعرف

 بـ Climax في محاولة لإيصال رسالة الحبكة كاملة عند هذه الذروة. هناك دائما نهاية مغلقة لبدايات مفتوحة يصعب التخمين في نهاياتها. وهي أيضا ليست مفاجأة بالمعنى الكامل للمفاجأة. ويبرز ذلك في القصة الأكثر إتقانا وتأثيرا، والتي حملت عنوان المجموعة.

في البيرق/ القصة، يقدّم لنا المسلم قصة نعرفها بطريقة تقنية تعتمد الصوت الناجي من المعركة، وهو صوت لا يشرح لنا تفاصيل المعركة ولا يقدم تقريرا عن أطرافها ولا حتى متى وقعت أو لماذا وقعت. الصورة التي التقطها من تلك المعركة متروكة هكذا لم يكتب أحد على ظهرها تفاصيل مهمة. هي صورة ملتقطة من حدث ما لا يفهم تفاصيله إلا من عاشها. يفعل كل ذلك دون أن يؤثر في جمال الصورة أو صوتها الذي نقرأه في خلفيتها الدموية، والتي تركها البطل قبل أن يقفز قفزة النجاة من دائرة الموت.

يستحق المسلم أن نثني على جهده القصصي، وأن نتوقع منه الكثير كصوت معبر وجميل ورصين. وربما لا أجد مأخذا عليه سوى بعض الشاعرية المفرطة التي لا تصلح في كل حال مثل "واللحن الملائكي ينحدر إليه. هاتفا بين شفتيها كخرير جدول رقراق.. ينبع من ربوة خضراء" (ص 54). هذا الإغراق في الوصف الشاعري يفسد ما أراد القاص أن يصلحه. وللأمانة هو لم يتعمد ذلك دائماً، ولا يكرره غالباً.

back to top