إيران والخليج... حقبة جديدة من الخداع!
خضت منذ أكثر من عام نقاشات مطولة وأحياناً حادة مع زملاء كويتيين وعرب، عندما نشرت عدة مقالات عن أن ما تفعله إيران وكذلك حزب الله اللبناني في سورية هو بموافقة ومباركة روسيا والولايات المتحدة وعلم إسرائيل لأهداف شرحتها في مقالات (وأيضاً لبنان يا خليجيون - مبروك أنقذنا لبنان... ودمرت الشام -الرياض متى سترفعون الحصانة عن لبنان؟-... إلخ) وكلها مقالات شخصتُ فيها أسباب حرص واشنطن ولندن وموسكو على حماية الوضع اللبناني الذي يحكمه حزب الله ليكون قاعدة دعم نظام بشار الأسد حتى يكتمل سيناريو تمزيق سورية. وها هي الأيام تثبت أن ما كنت أنشرهُ صحيح، وكان ما كان بين الولايات المتحدة وإيران من اتفاق ومهادنة مؤخراً، وها هي واشنطن تتفاوض مع حزب الله وتفتح قنوات اتصال سرية معه، وفقاً لصحيفة وورلد تريبيون الأميركية، بينما يهرع القائم بالأعمال البريطاني إلى طهران لإعادة فتح السفارة البريطانية هناك بعد تمثيلية البرلمان البريطاني السمجة في أغسطس الماضي برفض توجيه ضربة إلى نظام بشار الأسد حينما استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه، وهو الحدث الذي أكد لي أن ما يجري في سورية مخطط له، وأن إدارة أوباما لن تتخذ إجراء جدياً تجاه الأسد مهما أرعد وأزبد سيد البيت الأبيض.
كل ذلك كان مفهوماً ومعلوماً لمن يريد أن يحلل المعلومات ويقرأ الأحداث بدقة، ونحن العرب أخذنا "طراق" وخسرنا جولة جديدة يدفع ثمنها الشعب السوري غالياً، وأيضاً قطاع كبير من العراقيين واللبنانيين، وأشدد على أن الغرب وتحديداً أميركا قررت بعد أحداث 11 سبتمبر 2011 أن مصالحها مع الإيرانيين وحلفائهم الذين لا يمثلون تهديداً حقيقياً لها ولحليفتها إسرائيل، لذا سلمت العراق وستسلم جزءاً كبيراً من سورية ولبنان إلى إيران، وربما أجزاء أخرى من الخريطة العربية، وبالتأكيد سيكون لذلك تداعيات خطيرة ومواجهات في المنطقة لا تعني واشنطن بشيء التي تنسحب تدريجياً من الشرق العربي، بعد أن امنت مصادر موثوقة بديلة للطاقة. لذا ودرءاً لما قد يحدث في المنطقة يجب أن نتوجه إلى طهران مرة أخرى لمد جسور السلام والتعاون، لكن دون أن نخدع في كل مرة بأن تصدر لنا طهران الوجه المبتسم، بينما تعبث بنا من تحت العباءة يد رجال السلطة الدينية الحاكمة الفعلية وقواتهم، ولا نستطيع أن نقبل كخليجيين حقبة جديدة من الخداع ربما ستكون القاضية لنا، لذا نسأل إيران التي تبعث لنا رسائل الود والانفتاح هل ستستمر سياسة القضم البطيء للأراضي العربية ومد النفوذ عليها، بينما نتبادل الزيارات الرسمية والأحاديث الودية، كما يحدث في العراق وسورية واليمن ولبنان؟ ونسأل طهران بالمقابل هل حاولت دولة خليجية أن تعبث بقضايا إيران في الأهواز وبلوشستان، أو توجه حزمة قنوات فضائية لعرب إيران وبلوشها وأكرادها وأذرييها كما تفعل قنوات العالم اليوم والميادين والمنار مع العرب؟ وهل حاول العرب تجفيف أنهار إيران كما فعلت لنهر كارون وروافد الشط في جنوب العراق؟ وهل فتحت سفارة السعودية أو الإمارات أبوابها لدعاة المذهب السني في طهران، كما فعلت سفارة الجمهورية الإسلامية في الدار البيضاء؟! والسؤال الأهم: هل طهران راغبة في مراجعة تلك السياسات وما ينتج عنها من تدخلات ضارة في الشأن العربي؟ هذا هو التساؤل المستحق الذي يجب أن يحسمه الإيرانيون بالإجابة الواضحة والصادقة لمد جسور الإخاء والمحبة، فلعبة تغيير الوجوه في إيران بين المتشدد والمنفتح في كل حقبة وبحسب الظروف أصبحت مكشوفة، فلإيران مشروع لدولة إقليمية عظمى متمددة يديره الرجل القوي الأوحد في إيران (المرشد) ويده الثقيلة الحرس الثوري، وهو فقط الذي يستطيع أن يحسم الأمور ويمنع ما ستشهده المنطقة من تداعيات مدمرة لو استمر هذا المشروع دون مراجعة وتهذيب له.