السرقة والاقتباس

نشر في 03-08-2014
آخر تحديث 03-08-2014 | 00:01
 ناصر الظفيري تحوم كثير من شبهات السرقة المباشرة أحيانا والاقتباس المعلن وغير المعلن أحيانا أخرى حول عدد من الأعمال العربية المسرحية والموسيقية والفنية وحتى الروائية. والمتابع للأعمال السينمائية لا يستطيع أن يحصر عدد الأفكار التي يتم الاستيلاء عليها بشكل فج وتقديمها للمشاهد العربي بطريقة أكثر فجاجة. والاستيلاء على أفكار الآخرين يبدو أكثر سهولة من التفكير الابداعي والابتكار، وهي لا تكلف صاحبها سوى مشاهدة عمل سينمائي لاستنساخه بطريقة مبتذلة وينتقل التدهور في العمل من التأليف الى الاخراج والتمثيل وبقية الأدوار المهمة في صناعة العمل.

هذه الأعمال المسروقة لا تعاني رداءة الانتاج الفني فحسب، لكنها تعاني خللا ثقافيا عاما في عالمنا العربي الذي يتقبلها ويقبل عليها وكأنها تحمل أصالة هي في الواقع تفتقدها، فهي ليست حالة عربية تستحق التقديم والعرض، وليست حالة عالمية لأن العمل الأصلي الذي سرقت منه يفوقها بمراحل. ولو كان الأمر هو العمل على تقديم ابداع فني يفوق العمل الأصلي لربما وجدنا تبريرا لذلك رغم أن الاستيلاء على الأفكار دون الاشارة اليها لا يبرر أبدا.

في عمل يان مارتل "حياة باي" ثارت شبهات حول الرواية الفائزة بالبوكر والتي قدمت في فيلم رائع واتهم الكاتب بسرقة فكرة العمل من الروائي البرازيلي سكلير عن رواية "ماكس والقطط" ليغضب الشارع الأدبي البرازيلي متذكرا سرقات سابقة فنية وأدبية لأعمال تحقق شهرة أكثر مقارنة بالأعمال البرازيلية لأسباب لا علاقة لها بالأدب وانما بالانتشار الأدبي والفرق كبير بينهما. لم يعتذر يان وهو ما طلبه منه الروائي البرازيلي.

في شهر رمضان قدم الاعلام العربي مسرحية الملك لير الشهيرة لوليام شكسبير وربما الرائعة الثالثة بعد هاملت وماكبث. وحاول الكاتب تطويع المسرحية الى عمل تلفزيوني في ثلاثين حلقة تحت اسم "دهشة" وربما ما عاناه المؤلف المقتبس عبدالرحيم كمال هو كيفية الحفاظ على شخوص العمل الأساسي في مسرحية الملك لير بغض النظر عن الأعمال التي يأتونها والنتائج المترتبة على تلك الأعمال.

هذا الاقتباس العربي لعمل أصبح عالميا ويقدم بلغات كثيرة وعلى مسارح متعددة في العالم كان اقتباسا موفقا وناجحا وجميلا أيضا. فالرجل حافظ على نكهة البيئة التي ينتمي اليها وابتعد عن نمطية الاقتباس ومحاولة الاستخفاف التي تصاحب الأعمال المقتبسة غالبا مقارنة بالعمل الأصلي.

جاء حواره أصيلا بعيدا عن التكلف واستطاع الفنانون ويحيى الفخراني تحديدا تحويل أغلب المشاهد التلفزيونية الى مقاطع مسرحية خصوصا في مشهد خروج الفخراني من بيت ابنته مطرودا وحافيا والذي كان مشهدا مسرحيا بامتياز.

لم يكن ذلك عملا جديدا للفخراني فهو كان قدم مسرحية الملك لير للمسرح القومي من قبل الا أن اللهجة المحلية والالتصاق بالبئية المصرية منح الفخراني أفقا أرحب للابداع وتفوق في أدائه في المسلسل على أدائه في المسرحية. واذا كانت مقارنة  أداء الفخراني بأداء السير ايان ماكلين لشخصية الملك لير ليست لصالح الأول مسرحيا فأداء الفخراني في المسلسل يقترب حتى لا أقول يتفوق على أداء ماكلين.

لا أرى ما يمنع من تطويع الأفكار العالمية الى أعمال لها صبغة محلية والاستفادة من الفكرة العامة والاشارة الى صاحبها دون تشويه للعمل الأصلي أو العمل المحلي. ذلك ما انتبه اليه مؤلف "دهشة" ونجح فيه.

back to top