يبذل القيمون على المهرجانات السينمائية جهوداً مستميتة لإقناع «الاتحاد الدولي لجمعيات المنتجين السينمائيين» في العالم، بأنها مهرجانات مستقرة، تحترم لوائحها وبرامجها وضيوفها، ومن ثم تستحقّ انتزاع الشرعية، والتمتع بصفة دولية، والفوز، تبعاً لذلك، بقناعة الاتحاد الذي يبادر من ناحيته، كأنه «الصندوق الدولي»، إلى منح المهرجان شهادة ثقة لدى شركات الإنتاج والتوزيع، وتشجيع أصحابها، فضلاً عن النجوم، على المشاركة بأفلامهم في التظاهرات المختلفة.  حدث ذلك في انطلاق مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الأولى (16 أغسطس 1976)، تحت رعاية «الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما» التي ارتكبت أخطاء في الدورة الثالثة، أدت إلى سحب اعتراف «الاتحاد الدولي لجمعيات المنتجين السينمائيين» به، وعقب انتقال تبعية المهرجان إلى وزارة الثقافة، وتولي الكاتب الكبير سعد الدين وهبة رئاسته ناضل لاستعادة الصفة الدولية، ونجح سنة 1986، لكن المهرجان أقيم من دون مسابقة رسمية إلى أن استعاد شرعيته الكاملة مع دورته الـ 15 سنة 1991.

Ad

 تنطبق الحال على مهرجانات سينمائية أخرى تجتهد للانتقال من القائمة المحلية «باء» إلى الدولية «ألف»، لكن يبدو الأمر مختلفاً في «مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول حوض البحر المتوسط»، الذي ترعاه «الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما» وتنظمه، فالإدارات المتعاقبة للمهرجان لا تلقي بالاً للشرعية، ولا تضع اعتباراً للصفة الدولية، وكأن الجمعية تثأر لنفسها من «الاتحاد الدولي لجمعيات المنتجين السينمائيين»، لأنه أضاع مهرجان القاهرة السينمائي منها؛ الأعوام تمضي، والدورات تتوالى، والجمعية لا تفكر في تقديم طلب إلى الاتحاد لتعيين مندوب عنه يراقب المهرجان، ويمنحه شهادة ثقة تُعيد إليه شرعيته، وتحفظ له سمعته التي أهدرت في الدورات الماضية!

هذا التخاذل المتعمد، في ما يبدو، أتاح للإدارات المتعاقبة للمهرجان أن تعمل في غياب الرقابة والشفافية والاحترافية، وكانت النتيجة أن تكررت الأخطاء دورة بعد أخرى، وتحولت إلى خطايا، مثلما حدث في الدورة 29 (9 - 14 أكتوبر 2013)؛ فالمهرجان «السينمائي» يخالف اللائحة التي وضعها بملء إرادته، وتنص في بندها الثامن على قبوله  الأفلام الطويلة من الأنواع كافة مقاس 35 مم، ثم يعرض عبر «الحاسوب الآلي»، أفلاماً عبر أقراص D.V.D، أرسلت إليه بغرض المشاهدة، وفي غياب كامل لآلة العرض السينمائي!  كذلك يهدم مصداقيته بشكل واضح عندما يختار أعضاء في لجان التحكيم تربطهم علاقة بالأفلام التي سيحكمون عليها، بينما جرى العرف، حسبما تنص لوائح المهرجانات،على ألا يُشارك في عضوية لجنة التحكيم أي شخص له علاقة بالأفلام المشاركة في المسابقة}!  

في السياق ذاته غاب مبدأ تكافؤ الفرص عن مسابقة الأفلام المصرية القصيرة والتسجيلية، فأصبح {التلميذ} ينافس {الأستاذ} في معهد السينما (سعاد شوقي نموذج) ووجد {الهاوي} الذي يُنفق بالكاد على فيلمه، نفسه في مواجهة أفلام يقف خلفها مخرجون {محترفون} (وحيد مخيمر كمثال)، ورصدت لها جهات ذائعة الصيت والمكانة (قطاع القنوات المتخصصة والمركز القومي للسينما) موازنات تُقدر بآلاف الجنيهات! بل استعان بعض الأفلام بفنيين محترفين، كمصورين ومنفذي  المونتاج وواضعي الموسيقى التصويرية، في حين تحمّل آخرون عبء القيام بالتأليف والإخراج والتصوير (محمد مصطفى في فيلم {الذهب}) في محاولة يائسة لضغط النفقات!

على صعيد آخر، ساد الارتباك جداول العروض، وعانت الندوات من غياب الانضباط، فضلاً عن التضارب بين مواعيد عقدها والتوقيت  المحدد لعروض الأفلام، وهو تضارب وارد في المهرجانات السينمائية التي تعاني زخماً في الفعاليات والأفلام، لكن إداراتها تعرف، بالخبرة، كيف تختار محنكين في {البرمجة} يُدركون أهمية الأفلام، ومكانة الضيوف الذين جاؤوا بصحبتها، ومواعيد وصولهم بالضبط، ومن ثم يتم التنسيق للاستفادة من وجودهم. على عكس ما جرى في الدورة الأخيرة لمهرجان الإسكندرية السينمائي الذي كاد يشهد فضيحة بعد اكتشاف عبد الإله راشيد، بطل الفيلم المغربي {يا خيل الله}، أن فيلمه عُرض في العاشرة من صباح اليوم الأول، أي قبل وصول الصحافيين والنقاد إلى الإسكندرية، وأن عرضه الثاني والأخير سيتم في حفلة الختام، أي أنه سيغادر المهرجان من دون أن يرى فيلمه مع الجمهور أو يناقشه بحضور الصحافيين والنقاد، ما أغضبه وأثار حفيظته قبل أن تتدارك إدارة المهرجان الأمر في اللحظة الأخيرة! مرة أخرى: هل تتكرر أخطاء مهرجان الإسكندرية السينمائي بسبب غياب {الرقابة} و}الشرعية}؟ أم نتيجة قلة الخبرة، وانعدام الشفافية؟ أم لأن ثمة من يتعامل مع المهرجانات بوصفها {لعبة} أو {بيزنس} ليس أكثر؟!