أعداء السيسي

نشر في 30-03-2014 | 00:01
آخر تحديث 30-03-2014 | 00:01
 ياسر عبد العزيز  لقد حسم المشير السيسي الأمر، وقطع الشكوك إزاء ترشحه للرئاسة في مصر، بعدما أعلن اعتزامه خوض المنافسة الانتخابية، في نهاية الأسبوع الماضي، إثر تقديمه استقالته من منصبه كنائب لرئيس الوزراء ووزير للدفاع.

يخوض السيسي المنافسة على مقعد رئيس الجمهورية بعد أسابيع، مستنداً إلى دعم واسع وتأييد كبير من الجمهور، الذي يحتفظ له بالكثير من التقدير، بسبب دوره الرشيد الفعال في مساندة الانتفاضة الثورية، التي أطاحت حكم "الإخوان"، في يوليو من العام الماضي.

ورغم الدعم الكبير لترشح السيسي، والتوقعات بتحقيقه فوزاً مريحاً في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فإن ثمة أعداء كثيرين للرجل القوي في مصر، يمكن أن ينالوا من مكانته، ويحدوا من تفوقه، ويصعبوا عليه الأمور، في ولايته الأولى، في حال حقق النجاح كما هو مرجح.

العدو الأول للسيسي ليس سوى تنظيم "الإخوان" وبعض حلفائه في اليمين الديني المتشدد. يمارس تنظيم "الإخوان" أقصى درجات الضغط على الدولة المصرية بغرض إنهاكها، ويستهدف رجال الجيش والشرطة والمدنيين، ويحاول استنزاف قوات الأمن إلى مواجهات شرسة، ليصنع دماء، يمكنه أن يتاجر بها، ويصور النظام الراهن في صورة مشينة.

لا يتورع تنظيم "الإخوان" ومناصروه عن شن الهجمات الإرهابية على المصريين، وترويعهم، أو التحريض على العنف، وتمجيده.

وإضافة إلى ذلك، فإن هذا التنظيم وحلفاءه يستهدفون السيسي نفسه بحزمة من الأنشطة؛ التي تبدأ بمحاولة تصفيته جسدياً، كما تشير بعض التقارير، وتشمل الهجمات المعنوية عبر تلطيخ صورته وتشويه سمعته، إضافة إلى التظاهر ضده، في محاولة دائبة لتدمير فرص الرجل الأكثر شعبية في البلاد عشية الانتخابات الرئاسية.

وإضافة إلى "الإخوان" وأنصارهم، يبرز عدو شرس آخر للسيسي؛ وهو العدو الذي يتجسد في التحالف الإقليمي والدولي المناوئ له، ولانتفاضة 30 يونيو، وما ترتب عليها من تغيير سياسي عميق في مصر.

ما زالت الولايات المتحدة تمارس سياسات معوقة للتطورات السياسية في مصر في أعقاب عزل مرسي، ورغم وفاء النظام الراهن بالخطوة الأولى من استحقاقات "خريطة الطريق"، بعد تعديل الدستور والاستفتاء الناجح عليه، فإن واشنطن تواصل ممارسة الضغوط على هذا النظام، عبر استخدام آليات المعونة، والتعاون العسكري، ومبيعات السلاح، إضافة إلى الضغط الدبلوماسي، والبيانات الخشنة التي تعلق على تطورات الأوضاع في مصر بصورة تصب في مصلحة "الإخوان"، وتسعى إلى خلخلة معسكر "25 يناير- 30 يونيو".

ليست الولايات المتحدة أكثر الدول عداء للسيسي وما يعبر عنه؛ فهناك عداء أكبر من بعض الدول الإقليمية، التي تفرط في معاداة الرجل بوضوح، ليس فقط عبر البيانات السياسية المناوئة، ولا الخطب التي تناصر تنظيم "الإخوان"، ولا الآلات الإعلامية النافذة، التي تكرس نفسها لدعم التنظيم، وتشجيع الفوضى، ولكن أيضاً من خلال ضخ الأموال، كما تشير بعض التقارير.

توفر دول إقليمية المأوى لعدد من المتهمين والمدانين المصريين في جرائم إرهابية، كما تمنح تنظيم "الإخوان" تسهيلات لإقامة فعاليات مناهضة للدولة المصرية وحكومتها، فضلاً عن رعاية طيف من الأنشطة التي تصب في زعزعة تماسك مؤسسات الدولة، بالإضافة بالطبع إلى الدعم السياسي والدبلوماسي الكبير والملح لكل ما يمكن أن يهز استقرار النظام الجديد، ويؤثر سلباً في مستقبل السيسي السياسي.

قطاع من الناشطين السياسيين والثوريين أيضاً يشكل بيئة معادية للمشير السيسي؛ إذ لا يبدو أن الشباب الثوري راض أو مطمئن إلى التطورات السياسية الجديدة في مصر. لقد انخرط هذا الشباب في ثورة 25 يناير، مدفوعاً بأحلام كبيرة، رأى فيها إمكانية أن تتحول مصر إلى دولة ديمقراطية، يأخذ الشباب فيها موقعاً على رأس فعاليات العمل الوطني والسياسي، حيث تختفي القوى التقليدية والوجوه القديمة، التي تورطت في الفساد، واتسمت بقلة الكفاءة، وأورثت البلاد ضعفاً وتراجعاً كبيرين.

ينشط قطاع من هؤلاء الشبان الثوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، ويعبرون عن إحباط ورفض واضحين، لأنهم يشعرون بأن "الدولة البوليسية القديمة" في طريقها إلى العودة إلى الحكم.

سيكون السيسي قادراً، على الأرجح، على التعامل مع الأعداء الثلاثة السابق الإشارة إليهم، فسواء كان العدو تنظيم "الإخوان"، أو بعض الدول العظمى والإقليمية، أو القطاع المهم من النشطاء والثوريين، فإن ثمة وسائل يمكن من خلالها تفادي معظم ما سينتج عن هذا العداء من تأثيرات.

لم يعد لدى تنظيم "الإخوان" وحلفائه استراتيجية واضحة تتعلق بالمستقبل، وكل ما يستطيع فعله والإصرار عليه هو شن هجمات إرهابية، أو اصطناع الدماء عبر عمليات تظاهر هزلية، أو تشويه صورة السيسي عبر وسائل الإعلام.

ليست تلك استراتيجية يمكن أن تزعج عدواً، ولا أن تحقق تغيراً جوهرياً، ولذلك، فقد سمعنا أحد قيادات التنظيم يعلن رغبة إخوانه في "العودة خطوة أو خطوتين" لإدراك المصالحة، من خلال التخلي عن مطلب عودة مرسي، والتوافق مع القوى السياسية والثورية.

التحالف الدولي الإقليمي المناهض للسيسي والمعادي له بدأ يدرك حقيقة التطورات على الأرض، وبات من الصعب أن يتجاهل حجم التأييد الشعبي الذي يحظى به الرجل، لذلك، فإن تحجيم أثر هذا التحالف المعادي يبدو أمراً ميسوراً؛ خصوصاً أن أحد أطرافه، وهو الطرف التركي، دخل في نفق من الاضطرابات السياسية، بعد كشف بعض "فضائح" أردوغان، وتحديه السافر لحرية الإعلام، وتدخله في عمل القضاء، واستمرار اندلاع التظاهرات ضده.

سيكون الحد من تأثيرات العداء الإقليمي والدولي للسيسي أمراً في متناول اليد عبر بعض السياسات الداعمة للاستقرار داخل مصر، وبناء علاقات عريضة ومتوازنة مع قوى مؤثرة في المجتمع الدولي، واستخدام بعض وسائل الضغط على الدول المناوئة.

الأمر أيضاً سيكون ميسوراً في ما يتعلق بالقطاع المعادي من النشطاء والثوريين، الذين لا ينتمون إلى جماعات الإسلام السياسي، إذا استطاع السيسي أن يقلل المخاوف من عودة الدولة الأمنية، وأن يرسي مبادئ ديمقراطية حقيقية، وأن يطرح مشروعاً قومياً كبيراً، وأن يشرك قطاعات الشباب في العمل الوطني، ويمكنهم من لعب أدوار رئيسة فيه.

ليس من الصعب إذن الحد من تأثيرات الأعداء الثلاثة سابقي الذكر، لكن ربما يكون من الصعب الحد من تأثيرات عدوين يظهران عادة في صورة الصديق.

"الفلول"... أو أنصار مبارك يظهرون عادة في صورة أكثر أنصار السيسي إخلاصاً وأوضحهم تأييداً لمسار 30 يونيو، لكن هؤلاء يشكلون خطراً على السيسي ربما يكون أكبر من هذا الذي يشكله "الإخوان" وبعض حلفائهم.

"الفلول" يريدون بتأييدهم للسيسي أن يقنعوا المصريين والعالم، والسيسي نفسه، أن ثورة يناير لم تكن سوى مؤامرة لتخريب البلاد، وأن 30 يونيو يمثل دحراً لهذه المؤامرة، ويجب أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه.

لو صدق السيسي هذه الرواية، أو تجاوب معها، أو سكت عن ترويجها وانتشارها، فسيكون قد مني بهزيمة كبيرة، وسيكون قد وضع نفسه ضد التيار، وبالتالي سيسهل جدا على أعدائه التقليديين أن ينالوا منه.

أما العدو غير التقليدي الثاني فليس سوى المفرطين في تأييد السيسي والذين يحاولون "فرعنته"، وتحويله إلى زعيم "ملهم لا ترد له كلمة ولا تجوز معارضته". بين هؤلاء بعض حسني النية، والكثير من المنتفعين والانتهازيين والأفاكين، الذين فعلوا الأمر نفسه في أكثر من نظام، ومع أكثر من رئيس.

للسيسي ثلاثة أعداء يتجسدون في "الإخوان" وحلفائهم، وبعض الدول الرئيسة والإقليمية، وقطاع من النشطاء والثوريين، وهو قادر على أن يتصدى لهم، وأن يحد من تأثيرهم، إذا ما أحسن إدارة البلاد بطريقة ديمقراطية ناجعة، في أعقاب انتخابه رئيساً كما هو مرجح.

لكن ثمة عدوين غير تقليديين؛ هما "فلول" مبارك، وبعض الأفاكين والمنتفعين من محترفي التأييد، وهذان خطرهما أكبر، لأنهما عدوان في صورة صديقين، والحد من تأثيرهما لن يتطلب صبراً وحكمة ومهارة فقط، لكنه سيتطلب أيضاً توازناً نفسياً وقدرة على مغالبة الهوى؛ وهو ما ستكشف الأيام عما إذا كان السيسي يمتلكه أم لا.

* كاتب مصري

back to top