يبدو مما يحدث في العالم العربي أن قواعد اللعبة السياسية العالمية تغيرت بشكل كبير، ففي الماضي كانت الدول الكبرى ترسل جيوشها براً وبحراً وجواً لاحتلال مناطق نفوذ في مختلف أنحاء العالم لضمان مواقع استراتيجية أو للسيطرة على موارد طبيعية.

Ad

عملت الدول الكبرى على اقتسام العالم قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها، وجاؤوا إلى الوطن العربي ومزقوه إلى دويلات حسب علاقة كل طرف وحاجته، وتحكموا في كل بلد باتفاقيات إذعان سيطروا فيها على السياسة والاقتصاد وكل خيرات العرب.

وحين بدأت فورة الغضب وحركات التحرر وقفوا لها بالمرصاد، واستمرت محاولاتهم لإجهاض أي محاولة للاستقلال والتحرر، كانت اللعبة عسكرية ساسية، وبعد التحول في الاتحاد السوفياتي وانتهاء فترة الحرب الباردة زاد التركيز على الوطن العربي.

في البداية كانت مهمتهم إفساد الحكام العرب وإدخالهم في صفقات إجرامية بحق شعوبهم لامتصاص موارد النفط.

الدول الكبرى لم تعارض سياسات تأميم النفط العربي كما عملت مع مصدق في إيران؛ وذلك لأنها وجدت أن من الأفضل لها ولشركاتها ومصانعها أن تمتلك الدول النفطية فوائض كبيرة على أن تعود هذه الفوائض للدول الكبرى، وتشتري بها ما تريد وما لا تريد. أعتقد أن الدول الكبرى فضلت أن تمتلك الدول النفطية العربية نفطها وتبيعه بالأسعار التي تريدها لأن مرد هذه الدول طوعا أو كرهاً شراء ما تريد من الدول الكبرى، ولأن الدول النفطية لم تعمل لمستقبل إنتاجي لبلدانها بنفطها فإن خير النفط كله يعود إلى الدول الكبرى.

كانت الدول الكبرى تعاقب الدول أو الشعوب "العاقة" بإرسال الجيوش واحتلالها، لكنهم اكتشفوا أيضاً أن السيطرة على الوطن العربي لا تحتاج إلى نفقات الحرب الرهيبة، في البداية استخدموا مرتزقة من شركات خاصة أمنية وغيرها بدلاً من جيوشهم، وظهر هذا بوضوح في العراق، لكنهم وجدوا أن هذا مكلف أيضاً وأن تخريب الوطن العربي وتركيعه أكثر يمكن أن يأتي من داخل الوطن العربي، وباستغلال الدين والانقسامات العرقية والقبلية والطائفية.

وجدوا أننا شعب جاهل يمكن ضربه بتصريح هنا أو هناك، بكلمة من هذا الطرف ضد الطرف الآخر، وجاءت فكرة الشرق الأوسط الجديد المقسم على أسس طائفية ونشر خريطته لتكون بداية اندلاع شرارة الطائفية التي نعيشها الآن.

نحن نتقاتل اليوم من أجل بقاء الاستعمار الذي عشنا على أمل إزالته، نحن ننفذ له ما يريد وهو يمول ويسلح من يطلب المال والسلاح؛ لكي نقتتل وحتى لا يبقى قوي في المنطقة غير المحتل الإسرائيلي، فهل نعي ما يحصل لوطننا ومستقبلنا؟

لنخرج من هذه الفتنة فلا بد من إعمال العقل والتفكير بجد في المستقبل، ولا أرى أننا يمكن أن نتجاوز ما يحدث الآن إلا بفهم دور الدول العظمى ومقاصدها وأهدافها ووسائلها في إذلالنا، والعمل على محاربة الطائفية وكل أسباب الفرقة بيننا.

إن إنساناً يقول الله أكبر لينحر إنساناً آخر لا يعرف الله، وليس من فصيلة الإنسان في شيء، ولا بد أن نعرف أن هؤلاء يشحنون بالجهل والمال ليكونوا أداة قتل وتخريب، قد لا يدركون من وراء الأموال والتلقين الذي يصلهم، لكنهم بالتأكيد لن يقبلوا أن يكونوا أداة لخدمة المستعمر والصهيونية لو تم كشف هذا لهم، ويجب أن تجتمع كل القوى الواعية والحريصة على مستقبل الأمة لكشف هذه المخططات وإجهاضها.

حكوماتنا يجب أن تعي قواعد اللعبة الجديدة، وألا تندفع وراء الابتزاز، وألا تميل إلى طرف ضد الآخر، وعليها إدراك أنها تُجر إلى مواطن الخطر، وأن الصديق لن يتوانى عن التخلي عنهم في أي وقت إذا نجحت مخططاته، وأن عليهم العمل بجد من أجل مستقبل شعوبهم وبناء مجتمعات منتجة ومستقبل أقل اعتمادا على الآخر حتى الاستقلال الكامل، وأن الانفتاح على الشعب وتحقيق أمانيه وتطلعاته هما الضمان الحقيقي لهذه الأمة ودحر أعدائها.

نحن بحاجة إلى مواجهة هذه المخططات الشيطانية بما تستحقه من قوة العقل لدحرها، بحاجة إلى فهم واع لما يحاك وكيفية مواجهته، وألا نقبل التفرقة بين أبناء الأمة الواحدة. نجاتنا من المخطط الخطير لا تتم بدون توحيد الجهود في كل الدول العربية والتعاون مع بقية دول العالم التي تقاسي مثلنا من محاولات التفتيت وإشعال الفتن.