إن من حق نقابات العاملين في مؤسسات الدولة، ومنها مؤسسة التأمينات الاجتماعية أن تقوم بالإضراب، حتى يصل إلى المسؤولين المصرين على تجاهل حيوية عملهم الذي يقومون به، وضرورة تقدير دورهم وإعطائهم حقوقهم التنظيمية والمالية، وهي التي أقرها القانون أصلا، ولكن ماطل في تطبيقها هؤلاء المسؤولون.

Ad

استغرقت في مراجعة بحث أكاديمي يتناول مظاهر نمو مؤسسات المجتمع المدني في منطقة الخليج العربي، مع تركيز على نشوء "نقابات العمال" وتطورها في هذه المنطقة البطيئة ديمقراطيا بشكل عام، فترة طويلة في الأيام الماضية، وقد أشار البحث إلى أن الكويت تعد الأكثر تقدما على هذا الصعيد، أعني صعيد تطور الحركة النقابية العمالية.

استند الباحث في تقييمه لقوة الحركة النقابية وقيمتهما إلى عدة معايير منها، (1) استقلالية النقابة وعدم ارتباطها بالمؤسسة الرسمية، و(2) حقها المطلق للتفاوض باللسان الجماعي، و(3) حقها وقدرتها القانونية على ممارسة الخطوات التصعيدية لحماية حقوق منتسبيها وصولا إلى الإضراب عن العمل، وقد خلص الباحث إلى أن أغلب النقابات العمالية في المنطقة، على قلة وجودها، هي نقابات "شكلية" لكونها لا تتمتع بهذه المعايير.

سقت هذه المقدمة لأصل بكم إلى فكرة جوهرية، وهي أن "حق الإضراب" هو حق أصيل وأداة أساسية من أدوات العمل النقابي، وعليه فإن نقابة غير مستقلة بقراراتها وعملها عن قبضة المؤسسة الرسمية، ولا تمارس حقها في التفاوض باللسان الجماعي لمنتسبيها، ولا تمتلك أدوات الضغط وعلى رأسها أداة الإضراب، ليست سوى جمعية أو تجمع عديم الفعالية.

لهذا السبب استغربت كثيرا ممن استكثروا، بل شنعوا قيام نقابة العاملين في المؤسسة العامة للتأمينات باللجوء إلى أداة الإضراب سعيا إلى إقرار حق منتسبيها في تعديل سلم رواتبهم، وذلك بعدما استخدمت كل الخطوات الأخرى دون جدوى حين اصطدمت بمماطلة المسؤولين وتسويفهم.

يشهد التاريخ الحديث للدول التي تمارس الديمقراطية الكاملة قيام نقابات العمال فيها بالإضرابات الجزئية والشاملة، ويتضمن ذلك حتى تلك النقابات التي يدير منتسبوها قطاعات حيوية وخطيرة مثل نقابات الأطباء في الولايات المتحدة على سبيل المثال، حيث سبق لهم أن قاموا بإضراب شهير في عام ١٩٦٦م توقفوا فيه عن العمل وتشغيل أغلب قطاعات العمل، اللهم إلا أقسام الطوارئ والخدمات العاجلة.

وعليه وكقاعدة أصيلة، وبغض النظر عن جهة العمل، فإن من حق نقابات العاملين في مؤسسات الدولة، ومنها مؤسسة التأمينات الاجتماعية أن تقوم بالإضراب، حتى يصل إلى المسؤولين المصرين على تجاهل حيوية عملهم الذي يقومون به، وضرورة تقدير دورهم وإعطائهم حقوقهم التنظيمية والمالية، وهي التي أقرها القانون أصلا، ولكن ماطل في تطبيقها هؤلاء المسؤولون. وبطبيعة الحال يتاح للمسؤولين أن يعاندوا ويصروا على التجاهل، ولكن عليهم أيضا أن يتحملوا النتيجة المترتبة، ولكن لا يحق لهم أبدا منع العاملين عبر نقابتهم من الإضراب، وليس من الديمقراطية في شيء تهديدهم بالعقاب الفردي أو الجماعي طالما أنهم لم يمارسوا سوى حقهم.

رسالة أخيرة لنقابة العاملين في مؤسسة التأمينات: قوة نقابتكم اليوم على المحك، وستتمثل في صلابة موقفكم وتلاحمكم، وانكساركم الآن وقبولكم بالحلول غير الكاملة سيكون انكسارا دائما لنقابتكم وبالتالي لكم جميعا.