السيسي وحفتر والدور يفتر!
الأغلبية الصامتة وجدت ضالتها في أمثال عبدالفتاح السيسي وخليفة حفتر فراحت تنادي باسمهما وتتلهف لنجاحهما ووصولهما إلى السلطة من جديد بحثاً عن الأمن والأمان، وها هو المشير السيسي على أعتاب رئاسة الجمهورية في مصر، وأتوقع للزعيم الليبي الجديد نفس النتيجة، وقد تظهر قيادات عسكرية جديدة في دول عربية أخرى.
بعد نجاح ظاهرة السيسي في مصر يبدو أن ليبيا تسير في ذات الاتجاه، وبنتيجة قد تكون مشابهة لتجربة الثورة المصرية في أعقاب الربيع العربي، وظاهرة اللواء خليفة حفتر بعد المشير عبدالفتاح السيسي بحاجة إلى دراسة للواقع العربي في بعده الثقافي والاجتماعي والسياسي. عسكرة الحكم في البلاد العربية كانت تتم عبر الدبابات التي تحاصر مبنى الإذاعة وتحتل القصر الرئاسي لتعلن البيان رقم (1)، وكان ذلك في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ولكن اليوم نجد الجماهير هي التي تطالب العسكر بإزاحة السلطة تماما مثل ما حدث في مصر، وما يجري اليوم في ليبيا مع تصاعد نجومية الجنرال حفتر ونزول الناس في مسيرات تصاعدية تأييداً له. لماذا بعد مرور ستين سنة على الانقلابات العسكرية وتعزّز قيم الديمقراطية وتجاربها التي اجتاحت أكثر الدول تخلّفا في العالم، وشهدت في ظلّها الشعوب الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية، يحنّ العرب إلى عسكرة الحكم؟ وهل العسكر مؤتمنون على إرساء النموذج الديمقراطي بعد أن يستتب لهم الأمر، أم أنهم يستبدلون الزي العسكري بالبدلة الأنيقة وربطة العنق الفاخرة، ويتحولون مع مرور الوقت إلى إرساء قواعد الحكم الفردي الدكتاتوري، ويقرّبون رجال الجيش والأبناء والأصهار كما فعل تماماً ضباط ثورة يوليو في مصر، ومن بعدها ثورة الفاتح القذافية، وتلتها ثورة العقيد علي عبدالله صالح في اليمن، وأخيراً انقلاب زين العابدين بن علي في تونس؟المشكلة أن الربيع العربي جاء ليزيح هذه الانقلابات العسكرية التي تحولت إلى حكومات الحزب الواحد، ونهبت خيرات الشعوب وتركتها في حالة من البؤس والحرمان لأكثر من نصف قرن، ولكن المفاجأة أن نتائج هذا الربيع كانت مخيبة للآمال وسرقت من الشباب الذين فجروا بوابات المستقبل الحديدية لأقوى الحكومات القمعية، فقد تكالبت القوى السياسية والتيارات الدينية على السلطة، وكانت الغلبة للأحزاب الإسلامية التي احتمت بمجاميع من المتطرفين والمرتزقة، وبدلاً من إرساء جذور المؤسسات السياسية والدستورية وإطلاق الحريات اتخذت من الإرهاب الديني شعاراً، ومن ذبح الناس بالشوارع والطرقات وسيلة، ومن الإقصاء للآخرين آلية للاستفراد بالسلطة، فكانت النتيجة كومة من الدمار والتشرذم ليس فقط على مستوى التراكمات السابقة، أو حتى ضياع فرص الحاضر، بل استنزاف سنوات طويلة من المستقبل على حساب تطلعات الناس وهمومهم اليومية.أما البعد النفسي فهو الأهم في تجارب ما بعد الربيع العربي، فالأغلبية الصامتة لا حول لها ولا قوة، بل إنها سلبية ومتقاعسة، ولذا سرق منها كل شيء تقريباً، ولكنها فجأة وجدت ضالتها في أمثال عبدالفتاح السيسي وخليفة حفتر فراحت تنادي باسمهما وتتلهف لنجاحهما ووصولهما إلى السلطة من جديد بحثاً عن الأمن والأمان، وها هو المشير السيسي على أعتاب رئاسة الجمهورية في مصر، وأتوقع للزعيم الليبي الجديد نفس النتيجة، وقد تظهر قيادات عسكرية جديدة في دول عربية أخرى.aالمتطلبات العالمية الراهنة أم ترجع بهم وببلادهم إلى منتصف القرن الماضي، لتعود إلى نقطة الصفر وتنتظر خمسين سنة قادمة لانتفاضة أخرى؟!