تسلَّح بقوّة كلمة «لا»!

نشر في 11-01-2014
آخر تحديث 11-01-2014 | 00:02
تأتي لحظة تقول فيها {لا تعاود الاتصال بي!} وتعنيها بكل صدق أخيراً، أو قد تعيد هدية بعد أن قبلتها رغماً عنك... عندما ترفض طلب صديق يريدك أن تقدم له المساعدة أو طلب زميل يحتاج إلى نصيحة فورية، تفعل ذلك لأنك تحدد أهدافك الخاصة وترفض التخلي عنها. تكون كل واحدة من هذه اللحظات، سواء كانت عابرة أو معقدة، أشبه بالتدرّب على تلك القوة التي لا يفهمها كثيرون: إنها قوة كلمة «لا»!
يكثر الحديث عن قوة كلمة {نعم} ويمكن قول الكثير عنها. هذه الكلمة تؤيد أخذ المجازفات والتحلي بالشجاعة والانفتاح على الحياة التي لا يمكن تقليص إيجابياتها. لكن نادراً ما يشيد الناس بمفعول كلمة {لا}، وهي طريقة من شأنها أن ترسم خطاً فاصلاً بين الذات وتأثير الآخرين. قد لا ندرك على الأرجح حجم القوة التي نستمدّها من كلمة {لا}، إذ يسهل جزئياً أن نخلط بينها وبين مفهوم السلبية.

السلبية طبع مزمن وهي أشبه بعدسة عاطفية قد يشاهد الناس من خلالها رؤية ضبابية ومبهمة عن العالم. تعبّر السلبية عن نفسها عن طريق المثالية الشائبة التي تترافق مع التذمر والاستياء العدائي أو الرفض الذي يحمل المخاطر. هذه المواقف تُضعف الطاقة. قد يُخمِد الأشخاص السلبيون حماسة الآخرين لكن نادراً ما يلهمونهم ويشجعونهم على التحرك. لا شك في أن السلبية تحرمنا من شعور السعادة والارتياح وهي لا تمنح القوة بأي شكل.

عندما تكون السلبية موقفاً متواصلاً، يصبح الرفض لحظة تتضح فيها الخيارات. تؤكد كلمة {لا} على حقيقة الذات وهي تعترف ضمناً بالمسؤولية الشخصية. صحيح أن كل واحد منا يتفاعل مع الآخرين ويحب ويحترم ويقدّر تلك العلاقات، لكن لا يمكن أن نسمح لأنفسنا دوماً بالتأثر بها. القوة التي نستمدها من كلمة {لا} تعني التشديد على هذه الحقيقة الصعبة التي تعكس نضجاً معيناً: يجب أن يتحمّل كل شخص مسؤولية نفسه!

كلمة {لا} أداة وحاجز في آن، ويمكن استعمالها لترسيخ حدود الذات والحفاظ عليها، وهي تحمل معنى هذه العبارات: {هذا ما أنا عليه، وهذه هي قيمتي، وهذا ما سأفعله أو لن أفعله، وسأتصرف بهذه الطريقة}. نحن نحب الآخرين ونعطيهم بسخاء ونتعاون معهم ونرضيهم. لكننا نبقى دوماً كياناً مختلفاً ومنفصلاً في الجوهر. نحتاج إلى كلمة {لا} لرسم تلك المسافة وتعزيزها.

تعترف كلمة {لا} بأننا من نقرر حدودنا الخاصة. بالنسبة إلى معظم الناس، تعكس هذه المسؤولية الذاتية وعياً قوياً وفردياً وناضجاً. يمكن تحقيق ذلك عبر القيام بخطوتين إلى الأمام وخطوة عملاقة إلى الوراء: يحصل ذلك مثلاً عند الاستسلام لمطالب الأحباء أو لدوافعنا الخاصة أو شراء منتج غير ضروري. كلما اقتربنا من رسم حدودنا الذاتية بأنفسنا، نزداد قوة. تلك القوة تتطلب التحلي بالقدرة اللازمة لرفض بعض المطالب.

للرفض وجهان: الأول يجعلنا نركز على أنفسنا والثاني يرسم الحدود بين ذواتنا والآخرين. كلمة «لا» التي نوجّهها لنفسنا تأتي من «حاكم ذاتي» داخلي يتولى احتواء دوافعنا وإدارة أولوياتنا وفق منطق قوي جداً. قد نعمل طوال حياتنا على تصحيح ذلك النظام الذاتي وتعديله وبنائه وتقويته. وتشمل المكافآت الهائلة التي تنجم عن قدرتنا على تطوير ذلك النظام لقول كلمة «لا» (من دون أن يكون الأسلوب صارماً بل كافياً وحكيماً) الإنتاجية وراحة البال. قوة كلمة «لا» تضمن تلك النتائج.

تتطور كلمة {لا} التي نستطيع قولها للآخرين في مختلف مراحل الحياة، بدءاً من الطفولة. كل من حاول أن يجبر طفلاً في عمر السنتين على الجلوس في مقعد السيارة يدرك معنى ذلك واقعياً. حين يبدأ الطفل في عمر السنتين بالتمييز بين نفسه (أي إرادته وأمنياته) وأمه، يصرخ صرخة صاخبة ولامتناهية: {لااااااااااااااااا! لا، لن أرتدي تلك الجوارب، ولن آكل ذلك الطعام، ولن أغادر الحديقة!}. كلمة {لا} الأساسية والقوية تعني إثبات الذات في وجه الآخرين. خلال بقية أيام حياتنا، نجد صعوبة في تحديد الطريقة المناسبة والفاعلة لرسم تلك الحدود.

رسم الحدود

متى تكون مواقف الرفض مبالغاً فيها؟ من يمكن أن يخذل صديقاً يحتاج إلى المساعدة؟ ما هو الخط الفاصل بين إثبات الذات والتصرف بأنانية؟ من يرفض أن يدعم الجهود المتواضعة لمجموعة من الأصدقاء؟ ما هي الحدود القائمة بين المبادئ المهمة والاعتراض المتعنّت؟ كقاعدة عامة، لا بد من تعزيز القوة الذاتية لقول كلمة {لا} في خمسة مواقف:

عندما تضمن هذه المقاربة التزامنا بمبادئنا وقيمنا:

 السخاء والدعم أمران إيجابيان من الناحية العاطفية والروحية وحتى المهنية. لكن يعتبر علماء الاجتماع روجر ماير وجيمس ديفيس وف. ديفيد شورمان في دراساتهم التقليدية للمنظمات أن الاستقامة عامل أساسي بقدر الأعمال الخيرية لترسيخ الثقة بين الناس. إنه شرط رئيس لضمان الفاعلية.

لطالما قدّر جاك مثلاً دوره كداعم أساسي لأصدقائه. كان يفتخر بشعار {أنا هنا لأساندكم!} منذ مرحلة الدراسة الثانوية. لذا عندما تورط صديقه المقرب والمتزوج بعلاقة أخرى، التزم جاك الصمت. لكن حين طلب ذلك الصديق من جاك أن يعيره منزل العطلة لمتابعة تلك العلاقة السرية، شعر جاك بتأنيب الضمير. أراد أن يعتبره الجميع شاباً صالحاً ومحبّاً لكنه شعر بالانزعاج لأنه سيكون بذلك جزءاً من الخيانة ولو بطريقة غير مباشرة: هذا ما قاله في النهاية عندما رفض طلب صديقه بكل بساطة.

أدى رفض جاك إلى اضطراب الصداقة بعض الشيء وانتهاك قواعد السلوك غير المعلنة بين الرجال، أقله بالنسبة إلى رفاق جاك. لكن إذا كان إرضاء الآخرين يعني قبول كل شيء، فلا يمكن التعبير عن تقدير الذات أحياناً إلا عبر قول {لا!}.

عندما تحمينا كلمة {لا} من التعرض للاستغلال:

 قد يبالغ الناس في طلب الخدمات منك، وهي أمور قد لا تجرؤ بنفسك على طلبها يوماً. يجب أن تحمي نفسك من الأشخاص الذين يشعرون بأنهم يستطيعون أن يطلبوا ما يشاؤون عبر التحلي بالقوة الكافية لقول كلمة «لا» بكل صرامة ووضوح وهدوء.

يمكن فهم الوضع عبر أخذ مثال تقليدي من المدرسة أو مكان العمل: يطلب أي شخص غير مجتهد استعارة ملاحظات زميله. لا يحب هذا الزميل أن يتم استغلاله، لكنه لا يجد سبباً وجيهاً ليرفض الطلب. لذا يرضخ للأمر. ثم يُطلَب منه الأمر نفسه مجدداً فتزداد مشاعر البغض في داخله. ولكنه لا يجد أي سبب ليرفض، فيستسلم مجدداً. وهكذا دواليك.

أخيراً، بعد أن يتنبّه ذلك الشخص إلى أنه يتعرض للاستغلال (بدل التركيز على إيجاد سبب مقبول لردع ذلك المستغلّ)، ينجح في رفض طلب زميله فيتحلى بالجرأة اللازمة ويقول بكل بساطة: {لا، لا أحبذ فعل ذلك}.

هذا الموقف قد تقابله برودة في التعامل في كافتيريا الشركة لأسبوع أو أسبوعين. لن تكون هذه الفترة ممتعة لكنها ستمرّ. بعد ذلك، سيجد الموظف مصدراً جديداً للأمان. الرفض درع ضروري في الحياة ضد المستغلين الذين يبحثون عن إرضاء ذواتهم. في النهاية، يبدو أن الشخص اللطيف يستطيع أيضاً أن يقول {لا!}.

عندما تسمح لنا كلمة {لا} بالتركيز على أهدافنا الخاصة:

حين تعرضت إيمي لانتقاد من رب عملها للمرة الثانية بسبب {الثرثرة} والتأخر في إتمام واجباتها بسبب إهدار الوقت في الدردشة، شعرت بالألم والظلم. ما ذنبها إذا كان الجميع يقصدونها؟ كيف يُفترض أن تصدّ مارشا التي تعاني مشاكل كثيرة بسبب والدتها المسنّة أو جيم الذي يريد استشارتها حول أفضل طريقة للتعامل مع العملاء؟ كان زملاؤها يحتاجون إلى دعمها وكان صدّهم ليجرح مشاعرهم ويوتّر علاقتها بهم.

تحتاج إيمي بكل وضوح إلى التحلي بالقوة اللازمة كي تقول {لا} لأن مظاهر الحب والاهتمام تجعلها في هذه الحالة تلتهي عن إتمام مسؤولياتها الخاصة. الرفض أداة ضرورية لإبقاء الأهداف واضحة. يحصل الموظف على راتبه مقابل تحقيق أهدافه الخاصة. نحتاج جميعاً إلى رفض بعض المطالب للقيام بواجباتنا بدل الالتهاء بواجبات الآخرين.

عندما تحمينا كلمة {لا} من سوء المعاملة:

للأسف، غالباً ما تشمل أهم العلاقات في حياتنا أسوأ أنواع التواصل لأن الأشخاص الأقرب لنا يولّدون فينا أقوى العواطف ولأنهم الأشخاص الذين نخشى أن نخسرهم. قد ينسف الخوف القوة التي نحتاج إليها لقول {لا} في أكثر المواقف التي نحتاج فيها إلى تلك القوة.

يمكن تفسير هذه الفكرة عبر إعطاء مثال ابنة راشدة وفظة. تصر إيزابيل على أنها تحب والدتها ولكنها تجدها مزعجة دوماً لأنها تقدم لأحفادها كمية مفرطة من الطعام وتعطي إيزابيل نصائح غير نافعة عن الصحة أو سوء الأحوال الجوية أو الإنفاق. عندما تستاء إيزابيل، تفقد أعصابها فتصبح وقحة (اخرسي!) أو تطلق الإهانات (“هل تحاولين أن تجعلي أولادي سمينين مثلك يا أمي؟}) أو تكون فظة (تستعمل تعابير السخرية والازدراء). هجومها المتكرر يجرح أمها التي تتذمر بكل مرارة من معاملة إيزابيل أمام أفراد آخرين من العائلة.

رغم الدعم العائلي، لا ترسم الأم أي حدود لإيزابيل بنفسها. يجب أن تتحلى بالشجاعة اللازمة كي تقول لها: {لا تتكلمي معي بهذه الطريقة!}. لكنها تشعر بأنها عاجزة عن فعل ذلك: {هي ابنتي. إذا طلبتُ منها ألا تتكلم معي بطريقة معينة، قد تقرر عدم التكلم معي مطلقاً. لا يمكنني أن أجازف بذلك}. عندما نجرّد أنفسنا من خيار الرفض، نصبح معرضين للاعتداء اللفظي.

عندما نحتاج إلى القوة لتغيير مسارنا:

 الدعوات أصبحت في البريد لكنّ زواجك المرتقب يبدو خاطئاً! هذه الوظيفة تبدو جيدة بنظر الجميع لكنها تجعلك تتوتر في كل صباح! عائلتك ضحّت بالكثير لدفع أقساط الجامعة، لكن يبدو أن كلية الحقوق لا تناسبك! عندما تدرك أنك تسير في الاتجاه الخاطئ، تصبح كلمة «لا» مصدر القوة التي تحتاج إليها لتغيير طريقك.

الحواجز التي تقف أمام كلمة {لا} مزدوجة: أولاً، يجب أن تتمكن طبعاً من الاعتراف بأنك أخطأت، ولو لنفسك فقط. يفضل الكثيرون أن يكونوا على حق بدل أن يتمتعوا بالسعادة. فيتابعون السير في الطريق الخاطئ لأنهم لا يستطيعون بكل بساطة قراءة إشارات المرور! لكن في معظم الأحيان، هم يعلمون متى يحتاجون إلى رسم الحدود.

تكمن المشكلة في إقناع أنفسنا بضرورة القيام بذلك. يمكن التحلي بالقوة الذاتية عبر التغلب على عائق هائل: كلفة التفوه بكلمة {لا}!

طريقة التفوه بكلمة {لا}!

كلمة {لا} ليست رسالة ودية طبعاً ويصعب توجيهها لأننا نتوقع مسبقاً أن المتلقي لن يستقبلها بإيجابية.

يدعم علم الأعصاب حدسنا الباطني، بمعنى أن الرفض قد يكون قاسياً أكثر مما نتوقع. الدماغ البشري مُصمَّم كي يتجاوب مع الرفض بوتيرة أسرع وأقوى مما يفعل عندما تكون الإشارة إيجابية. كلمة {لا} أقوى من كلمة {نعم}.

هذا {التحيز الدماغي السلبي} الذي وصفه عالِم النفس روي بومايستر من جامعة ولاية فلوريدا يوضح السبب الذي يجعل التجارب السلبية أكثر تأثيراً على العاطفة من الأحداث الإيجابية التي تكون بالقوة نفسها. يرد الدماغ بشكل لطيف على الحوافز الإيجابية لكن بشكل مؤلم على الحوافز السلبية. بغض النظر عن طريقة توجيه الرسائل، يبقى الرفض حدثاً سلبياً. ينطبق هذا الأمر على أي مناقشة في الشؤون المالية (يكون غضبنا عند فقدان مبلغ من المال أكبر من سعادتنا بكسب مبلغ مماثل)، أو التفاعل بين الناس (يصعب تجاوز الانطباع السلبي الأول)، أو المعلومات الشخصية (الملاحظات السلبية في العمل لها أثر أعمق من المعلومات الإيجابية).

قام جون كاشوبو الحائز شهادة دكتوراه وزملاؤه في جامعة شيكاغو بقياس النشاط الكهربائي في قشرة الدماغ كي يثبتوا أن المعلومات السلبية في مختلف الظروف تؤدي إلى ارتفاع حاد وسريع في النشاط. كذلك، يطول أثر الجرح أكثر من المجاملة. لكنّ القدرة على استيعاب وتقييم الأنباء السيئة سريعاً تطورت بحسب رأي كاشوبو لسبب إيجابي جداً: كي نبقى بمنأى عن المخاطر!

كلمة {لا} مؤذية بشكل عام.

حتى لو كان موقف الرفض منطقياً (“لا يمكنني أن أعيرك سيارتي لأن بوليصة التأمين لا تغطي السائقين الآخرين}) أو لبقاً (“الحلوى التي تحضرينها هي الأفضل على الإطلاق لكني أتبع حمية خاصة تحت إشراف الطبيب}) أو صارماً (“شكراً لسؤالك لكني مرتبط بموعد آخر في عطلة نهاية الأسبوع})، يسمع المتلقي كلمة {لا} ويشعر بالسوء.

ربما ندرك بالفطرة هذا التحيز الدماغي وهذه الحساسية العصبية المفرطة أمام الرفض، ولهذا السبب وحده نتردد في إبداء ردة فعل قوية في وجه الآخرين. سواء شعرنا بتحيز الدماغ للمواقف السلبية أو لم نفعل، يتردد الكثيرون في قول كلمة {لا} خوفاً من اضطراب العلاقات مع الآخرين. الرفض ليس طريقة لكسب الأصدقاء بشكل عام.

صحيح أننا لا نكون جميعاً ضعفاء بالمستوى نفسه، لكن لا يتحمّل البعض فكرة إغضاب الآخرين بأي شكل. يحاول هؤلاء الأشخاص إرضاء الجميع بأي ثمن ويُفترض أن يدرك كل فرد إلى حد يشبه هؤلاء الأشخاص.

يميل هذا النوع من الناس إلى التركيز على العلاقات، فيقولون تلقائياً ما يريد الآخرون أن يسمعوه أو يوافقون على أفكار الآخرين أو يرضخون لقراراتهم من دون تردد. هذا الشخص يُعتبر {لطيفاً} من الناحية الاجتماعية ويكون محبوباً لكنه يشعر في أغلب الأحيان بأنه مُستغَلّ أو لا يتم تقديره كما يستحق وهو لا يثق بقراراته. عندما نعجز عن رفض مطالب الآخرين، تختفي شخصيتنا بالكامل.

ثمة كلفة ثالثة للرفض وهي تجعل الكثيرين يترددون: قد يؤدي الرفض إلى نشوء صراعات. يقل عدد الأشخاص المستعدين لأخذ هذا المسار إذا كانوا يستطيعون تجنبه.

قد نتردد في قول كلمة {لا} لأن التحدي الذي نتوقعه من الآخرين يكون كبيراً. الخط الفاصل بين الأنانية والمصلحة الشخصية الضرورية لا يكون واضحاً دوماً. قد ترغب في رفض دعوة لأنك لا تحب الحفلات، لكن يحتاج صديقك إلى الدعم فعلاً. هو سيصرّ بشدة وسيكون موقفه أقوى منك. هذا الموقف يصعّب رفض الدعوة.

لكن يجب مواجهة الوضع: يحارب البعض مواقفك الرافضة بغض النظر عن الموضوع. يعتبر هذا النوع من الأشخاص أن الحدود التي يرسمها الآخرون هي إهانة شخصية لهم. هم يتحدونك ويضغطون عليك كي تبرر نفسك. إنه جزء من شخصيتهم وهو أسلوب ناجح في ظروف كثيرة. أخيراً، قد يصعب عليك أن تقول كلمة {لا} لأنك تتوقع الأذى الذي ستسببه. يصعب تحمّل ملامح الألم (نظرة عتب، دموع، خيبة شديدة). يريد الجميع تجنب هذا الموقف مع أنه ضروري.

قد تكون هذه الأمور كلها أسباباً وجيهة لتبرير صعوبة رفض مطالب الآخرين. إنه موقف صعب لكنه ضروري جداً. بشكل عام، يجب أن نتمسك بمواقفنا، وكلمة {لا} هي السلاح الفاعل للقيام بذلك.

أطلق العنان لنفسك

كل شيء له ثمن! إذا كنت بطبيعتك طيباً وسخياً، قد يكون الرفض عادة غير مألوفة بالنسبة لك. وإذا كنت من الأشخاص الذين يهتمون بكسب محبة الجميع، سيزداد الموقف صعوبة وقد يصل الوضع إلى حد التملق. قد يكون الموقف غير مألوف وغير مريح لكنه ضروري جداً لأن إرضاء الجميع دوماً يقضي على أجزاء من شخصية الفرد بينما يُعتبر الرفض درعاً يحمي من الأسوأ. هذه هي نقطة قوته!

يعدد آدم غرانت، اختصاصي في علم النفس التنظيمي ومؤلف كتاب {الأخذ والعطاء} (Give and Take) وأستاذ في كلية وارتون التابعة لجامعة بنسلفانيا، المكافآت والنجاحات المهنية المتعددة التي يحققها الأشخاص الذين يعطون بسخاء. مع ذلك، يشدد غرانت على أن {القدرة على الرفض هي واحدة من أهم المهارات التي يمكن أن يكتسبها الفرد، لا سيما بالنسبة إلى الأشخاص المعطائين}.

يعتبر غرانت أن قوة الرفض ضرورية من أجل تخصيص الوقت اللازم لتحقيق الأهداف والخطط الخاصة. من دونها، يمكن أن يملي الآخرون علينا ما يجب أن نفعله وأن يحدّوا من إنجازاتنا. يوضح غرانت: {الرفض أمر بالغ الأهمية لترسيخ التوازن بين العمل والحياة. من دون تلك القدرة، سيكون العمل كفيلاً بتفكيك حياتنا}.

تفرض هذه الكلمة على الآخرين أن يحترموك ويحترموا وقتك بحسب قول غرانت: {حين نتمكن من قول {لا}، يصبح الناس حذرين عند اللجوء إلينا ويكتفون بطلب الأمور المهمة بدل طلب المساعدة في مختلف المجالات}.

كذلك، يعطي الرفض معنى أكبر للموافقة، أو كما يقول غرانت: {هكذا تصبح انتقائياً في ما تمنحه للآخرين}. حين نوافق على تقديم المساعدة لأننا نستعمل خبرتنا لإفادة الآخرين بدل الموافقة على كل شيء لكسب محبتهم، سنشعر برضى أكبر حين نقدم المساعدة.

الرفض الحازم يفيد في المجال الشخصي كما في المجال المهني. من الممتع أن نشعر بأننا مسؤولون عن ذواتنا وعن رسم حدودنا واتخاذ قراراتنا. هذا ما يضمن تعزيز طاقتنا وثقتنا بنفسنا.

على صعيد آخر، تختبر مواقف الرفض مدى صحة وإنصاف أقرب العلاقات إليك. إذا كنت تشعر بأنك لا تستطيع أن ترفض طلب أحد، في بعض المجالات أو المناسبات على الأقل، فيعني ذلك أنك لا تتمتع بمحبة الآخرين بل إنهم يستغلونك.

أخيراً والأهم، تتطلب الاستقامة الشخصية التمتع بقوة الرفض. القدرة على قول كلمة {لا} عنصر أساسي للحفاظ على المعايير الأخلاقية. من دونها، نصبح مجرد أشخاص يرضون الجميع ونجازف بالأخلاقيات والقيم. بغض النظر عن الكلفة أو الاضطراب الذي يمكن أن يحصل عند رفض مطالب الآخرين، تتحدد هوية الشخص وفق قدرته على الرفض.

التفكير قبل اتخاذ القرار

استبدل كلمة {نعم} التلقائية بعبارة {سأفكر بالأمر}.

إذا كنت لم تستعمل هذه التقنية كثيراً، ستندهش من النتائج. هذه العبارة تجعلك تسيطر على الوضع وتمهد لقول {لا} وتشير إلى أنك تقيّم العوامل المناسبة، والأهم هو أنها تعطيك فرصة للتفكير بالأمور. ثم يكون الرفض المبني على قرار يستند إلى عملية تفكير عميقة أكثر ثباتاً من الرفض الناجم عن اندفاع عاطفي فوري.

التأكيد على التزامك بخدمة الآخرين

يجب أن تقول {لا} من دون أن تبدو أنانياً أو لامبالياً عبر التحدث عن واجباتك المتضاربة تجاه الآخرين: {أحب أن أساعدك لكن سبق ووافقت على مساعدة والدي/ زميلي/ تلميذي ولا يمكن أن أخذله}.

تلطيف التعابير

حاول استعمال عبارة {لا يعجبني الأمر}، أو {لا أفضّل ذلك}، أو {أفضل أمراً مغايراً...}، أو {لنناقش الأمر}، أو {إنها خطة جميلة/لطيفة/مثيرة للاهتمام لكني لن أستطيع...}. تعكس هذه العبارة الأخيرة استراتيجية تواصل تدريجية حيث نقول أمراً إيجابياً (“أنت شخص ساحر وودود جداً}) ثم نمهّد للرفض (“لكني لا أظن أن علاقة عاطفية يمكن أن تجمعنا في المستقبل}) قبل أن نختم الكلام بعبارة إيجابية أخرى (لقد استمتعت بالوقت الذي أمضيناه معاً، أنت تجعلني أضحك فعلاً).

لكن لا تخلط الأمور. ما زلت ترفض بكل وضوح وقوة وسيفهم الشخص الآخر موقفك. لكنّ نتيجة هذا الرفض اللطيف والناعم قد تكون أفضل من العادة.

أنت تمثل الآخرين!

يعتبر آدم غرانت من كلية وارتون أنك قد تتفاوض بثقة أكبر إذا أدركت أو تخيلت أنك تتفاوض على راتب نيابةً عن عائلتك أو تتفاوض على صفقة بيع باسم شركتك. حين لا تكون مصلحتك وحدها على المحك، من الأسهل أن تقول «لا» أمام عرض لا يعجبك.

احتواء المشاعر

أفضل ما يمكن فعله هو رفض أحد المطالب وسط جو هادئ. الهدوء الخارجي (رغم التوتر الداخلي) يساهم في تهدئة الاضطراب الداخلي. كما أنه يخفف الأثر السلبي للرفض في دماغ المتلقي. تكون الصدمة التي يسببها الرفض كافية ولا داعي لعبارات الغضب أو الشتم.

التدرب

يمكن أن تستفيد من التدريب الخاص لمواجهة مختلف الظروف المتلاحقة (رب عمل متطلّب لا يكف عن تكليفك بالمهام المتواصلة، فرد محتاج من العائلة لا يكف عن طلب مساعدتك، شريك لا يكف عن مضايقتك بطلباته).

يمكن أن تستعد لقول كلمة {لا} بكل وضوح ولباقة وأن تتابع تكرارها (“لا يمكن أن أتولى مشروعاً آخر لأن جدولي مزدحم جداً}؛ {لا يمكن أن أتولى مشروعاً آخر لأن جدولي مزدحم جداً}). كرر الجملة بكل تهذيب إلى أن يسمعك رب العمل أخيراً.

يمكنك أن تتدرب بهدوء وأن تختصر المحادثة (“أنا وأنت لا نتفق على هذا الموضوع يا عزيزي. لنوقف الحديث}). وإذا تابع الشخص الآخر الكلام، التزم أنت الصمت.

أو إذا كنت تتدرب منذ فترة طويلة، قد تصبح قوياً بما يكفي لتصغي إلى أي طلب غير مناسب أو مزعج أو مفرط وتأخذ نفساً عميقاً قبل أن تصدر قرارك بكلمة ومن دون إعطاء أي تبرير: لا!

back to top