لماذا غيّر أوباما رأيه بشأن سورية؟
كان الخطاب الذي ألقاه الرئيس أوباما في "ويست بوينت" خلال الأسبوع الماضي، وتناول فيه السياسة الخارجية أشبه بلائحة بالأمور التي لا يريد فعلها. هو لا يريد الانسحاب من العالم. لكنه في الوقت نفسه لا يريد استعمال القوة العسكرية لحل جميع المشاكل. وفوق كل شيء، هو لا يريد أن يتورط في حرب أخرى في الشرق الأوسط أو في أي مكان آخر.لكن ثمة استثناء في عقيدة ضبط النفس التي يعتمدها أوباما: الإرهاب. يبدو أوباما جاهزاً ومستعداً لاستعمال القوة العسكرية الأميركية (بطريقة غير مباشرة إذا أمكن، ومباشرة عند الاقتضاء) ضد الإرهابيين الذين يطرحون تهديداً على الولايات المتحدة.
رغم سحب القوات العسكرية من العراق وأفغانستان، أرسل الرئيس مستشاريه العسكريين إلى إفريقيا. ولهذا السبب، وافق (من دون أن يلحظ الكثيرون) على تصعيد تدريجي، لكنه مؤثر، للتحرك الأميركي في ساحة المعركة الأكثر تعقيداً وخطورة على الإطلاق: سورية.منذ سنتين فقط، حين اقترحت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ومساعدون آخرون بذل جهود أميركية لتسليح وتدريب المعتدلين من بين الثوار الذين يقاتلون نظام بشار الأسد، رفض أوباما تلك الفكرة. لم يكن الثوار بارعين أو منظّمين بحسب قوله. وقد شعر بالقلق من أن يؤدي الالتزام بمعركتهم إلى جرّ الولايات المتحدة نحو شكل شائك من التدخل العسكري.لكن ها هو أوباما يتخذ الآن الخطوات التي كان يرفضها سابقاً. يقول مساعدوه إن الرئيس وافق على "تعزيز" إمدادات الأسلحة الضئيلة التي بدأت الولايات المتحدة تقدمها في السنة الماضية. لكن الأهم من ذلك على الأرجح هو أنه يريد إرسال قوات أميركية إلى الأردن أو بلدان أخرى بالقرب من سورية لتدريب وحدات ثورية، على افتراض أن يوافق الكونغرس والبلدان الأخرى على هذه الخطوة.ما الذي تغير؟ لم تتغير فرص الفوز بالنسبة إلى الثوار المعتدلين في معركتهم ضد الأسد و"القاعدة" معاً. بعد سلسلة من الانتكاسات العسكرية، بات هؤلاء الثوار في وضع ميداني أسوأ مما كانوا عليه منذ سنتين.يبدو أن قرارات أوباما الأخيرة ترتكز على تنامي الجماعات الإسلامية المتطرفة على نحو مقلق في سورية (بعضها متحالف مع "القاعدة") وتوسّع نطاق عملياتها.في الأسبوع الماضي، أصبح رجل من فلوريدا أول مواطن أميركي يموت كانتحاري في الحرب السورية. جاء موته ليؤكد هذه النزعة السائدة. انضم 70 أميركياً، فضلاً عن عدد مواز من الكنديين ومئات الأوروبيين إلى الجماعات الجهادية في سورية. وبعد تدريبهم واختبارهم، قد يعود البعض إلى بلدانهم ليحاولوا تنفيذ عمليات انتحارية هناك.قال لي مسؤول أميركي بارز: "أكثر ما أثار قلقنا هو التهديد الذي يطرحه المقاتلون الأجانب. أدركنا حينها أننا أمام تهديد حقيقي لمصالح الأمن القومي".هذا ما وضع سورية على لائحة أوباما القصيرة للمصالح الأساسية التي تبرر استعمال القوة العسكرية، بعد أن كان هذا الملف سابقاً مجرد مأساة إنسانية وأزمة لاجئين، من دون أن يطرح تهديداً مباشراً على الولايات المتحدة.لا يعني ذلك أنه يخطط لشن ضربات أميركية مباشرة ضد الجماعات الإرهابية في سورية (ليس بعد على الأقل). لكن يبدو أن ذلك الخيار أصبح الآن "مشروعاً من الناحية القانونية" بحسب رأي ذلك المسؤول. في الوقت الراهن، تركز الولايات المتحدة على ترجيح كفة التوازن في الحرب الأهلية، إذا أمكن، فضلاً عن طرح خيار بديل عن "القاعدة" بالنسبة إلى السوريين الشباب الذين يريدون القتال، والأهم من ذلك هو توفير مساعدين ميدانيين للوكالات الاستخبارية الأميركية التي تطارد الإرهابيين المحتملين. لكن انتصار الثوار عسكرياً ليس وارداً على لائحة الأهداف. إنه هدف بعيد المنال بحسب رأي المسؤولين.في مقابلة مع "الإذاعة الوطنية العامة" في الأسبوع الماضي، حرص أوباما على إبقاء مستوى التوقعات منخفضاً، فقال: "سنحدد الضوابط بشأن سرعة إقدامنا على تعزيز إمكانات تلك المعارضة. ما لا نريده هو إطلاق الوعود التي لا نستطيع تحقيقها". ثم أضاف أن الولايات المتحدة قد تتمكن من تغيير التوجه السائد لصالح حل سياسي.هل سبق وأرسل أي رئيس مجموعة من المساعدات العسكرية لتحقيق أهداف محدودة وحذرة لهذه الدرجة؟ما يحاول أوباما فعله هو تجنب التورط في تدخل عسكري شامل نيابةً عن الثوار. يخشى المسؤولون أن يطلقوا وعوداً مفرطة فتصبح الولايات المتحدة عاجلاً أو آجلاً مطالبة بتحقيق وعودها.هذا النوع من الالتزام المحدود الذي يعرضه أوباما على المعتدلين في سورية سيوقع الولايات المتحدة في مستنقع أخلاقي شائك. حين نقوم بتدريب وتسليح "ثوارنا"، هل سيكون من واجبنا أن ندافع عنهم ضد المجازر إذا خسروا؟سبق وخاضت الولايات المتحدة هذه التجربة. أرسل رؤساء سابقون المساعدات العسكرية إلى طرف واحد من الحرب قبل أن يضطروا للانسحاب (وهم يشعرون بالندم طبعاً) حين يخسر حلفاؤنا. شكّل سقوط سايغون في عام 1975 هزيمة كبرى للولايات المتحدة، لكن فقد ذلك الحدث أهميته بعد مرور عقد من الزمن. وأصبح سقوط جوناس سافيمبي (كان المفضل بالنسبة إلى رونالد رايغن) في أنغولا منسياً الآن.مع وصول المساعدات الأميركية إلى الثوار، من المتوقع أن تستمر الحرب الأهلية السورية لسنوات عدة، وسيتزامن هذا الوضع مع انقسام البلد إلى إقطاعيات طائفية. لكن كان يمكن أن يحدث ذلك من دون أي مساعدة أميركية.كان يجب أن يصغي أوباما إلى هيلاري كلينتون (وليون بانيتا وديفيد بتريوس)، وأن يوافق على تقديم المساعدات العسكرية إلى الثوار منذ سنتين، أي قبل أن يرتفع عدد المجاهدين لهذه الدرجة. لكن يبقى صدور هذا القرار في مرحلة متأخرة أفضل من ألا يصدر مطلقاً.قد لا يبدو الأمر مناسباً، لكن يمكن أن تنجح "القاعدة" (من خلال جرّ الولايات المتحدة إلى المعركة) في إنقاذ المعارضة الديمقراطية السورية من الهزيمة المطلقة.* دويل ماكمانوس | Doyle McManus