انتقد وزير الشؤون الإسلامية والوصي على المقدسات الإسلامية في القدس، د. هايل داود، الصمت العربي والإسلامي حيال ما تتعرض له المدينة المقدسة من مخططات صهيونية مستمرة تستهدف تهويده. وقال داود، في حواره مع "الجريدة"، إن الأردن يفعل كل ما يستطيع لمواجهة الأطماع الصهيونية، لكن الإمكانيات الأردنية لا تمكنه من صد كل هجمات الإعلام الغربي الموالي لإسرائيل، لذا آن الأوان أن تنشط ماكينة الإعلام العربي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في القدس، وإلى تفاصيل الحوار:
• بداية ما تقييمك لمكانة العالم الإسلامي في سلم الحضارة الإنسانية اليوم؟- للأسف الأمة الإسلامية لا تحتل مكانها اللائق في سلم الحضارة الإنسانية، فالملاحظ أننا أصبحنا مستهلكين بدلا من أن نكون منتجين وما دمنا مستهلكين فنحن نعيش على ما ينتجه الآخر، وهذا الآخر لن يمنحنا سر ما ينتجه بل يمنحنا ما يجعلنا نظل واقعين تحت سيطرته وجبروته، ليس هذا فحسب، بل إن هذا الآخر لا يمنحنا جزءاً مما ينتجه من علوم تقنية وغيرها لوجه الله، وإنما بمقابل، وهذا المقابل يكون في معظم الأحيان التنازل عن كثير من هويتنا وثقافتنا وكرامتنا، ونوافق على أن نمد أيدينا له، بحيث تكون أيدينا هي السفلى دائماً، كل هذا يحدث للأسف الشديد على الرغم من أن المسلمين يمتلكون كل أسباب القوة.• كيف نتبوأ مجدداً مكانتنا اللائقة بالدين الإسلامي في سلم الحضارة؟- علينا أن نجتهد ونجد في العمل، ولنتذكر قول الرسول (صلى الله عليه وسلم): "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها"، فنحن اليوم مطالبون بالنظر إلى واقعنا والعمل على السعي من أجل تحسين هذا الواقع ولكن للأسف الشديد كل خريجينا يبحثون عن وظيفة مكتبية، فهل الأمة الإسلامية فقط في حاجة إلى وظيفة مكتبية؟ بالطبع لا، فنحن في حاجة إلى الصانع والمزارع، لأن العمل الشريف فخر وتاج على رأس كل مسلم، والمهم أن يكون عملاً شريفاً وألا يكون عملاً فيه أكل لحقوق الناس، وللمسلم أن يعمل في أي مجال حلال، وسيحظى بالنجاح إن شاء الله مادام عمله شريفا، بقصد أن يعف نفسه وأهله عن التسول أو اللجوء إلى السرقة من أجل الحصول على المال، والأمة ستتقدم فقط إذا احترمنا قيمة العمل وسمونا فوق خلافاتنا وعملنا على التماس سبل الوحدة الإسلامية في شتى المجالات الفكرية والاقتصادية وتنازلنا عن الغطرسة التي تحكم تعامل بعضنا مع بعض، ونحن والحمد لله ديننا واحد وأمتنا واحدة ولساننا واحد، أي أن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، فعيب علينا أن تتوحد أوروبا التي كانت على مدار قرون طويلة مكانا للتناحر، ولكنها اليوم وأدت خلافاتها الدموية وأقامت اتحادا بين شعوبها التي تختلف لغاتها وثقافاتها، في حين نعجز نحن عن تحقيق هذه الوحدة، رغم توافر كل مقومات نجاحها.• يرى البعض أن من أهم أسباب تأخرنا غرقنا في تفاصيل تراثنا وهو ما جعل الكثيرين ينادون بتنقية هذا التراث... فهل أنت مع هذا الاتجاه؟- تنقية التراث مطلوبة بالفعل، لكن بشروط، أولها أن نضع القرآن والحديث فوق كل الاعتبارات، حيث تنقى كتب التفسير التي أحيانا ما تشتمل على أمور غير موثقة من بعض القصص التي قد ترد، وعلى علماء التفسير إزالة الروايات الدخيلة في كتب التفسير لتنقيتها مما يسمى بالإسرائيليات، ونحن بحاجة إلى إعادة النظر لا إلى الحذف والتعديل، والنقطة الثانية تتعلق بالسنة فهي محفوظة بأمر الله لأن الكتب الصحاح الستة بمنزلة "مسلّمة" لا يجوز المساس بها، وبالتالي فإن السُّنة لا تحتاج إلى تنقية فهي منقاة، أما في مجال التاريخ فيجب أن تنقى الروايات التاريخية من بعض الروايات الدخيلة، كذلك يجب أن ننقي هذه الكتب من الأخطاء المطبعية التي ترد في بعض الكتب القديمة، ولا تصحح فتغير المعنى المراد، وهذه التنقية مطلوبة، ولكن بشريطة أن يقوم بها العلماء من أصحاب التخصص، أما من عداهم فإنهم يشكلون خطرا كبيرا على التراث الإسلامي.• بصفتك مسؤولاً عن شؤون المقدسات الإسلامية في القدس... كيف ترى وضعها الحالي في ظل تعنت سلطات الاحتلال والاقتحامات المتتالية لقطعان المستوطنين؟- الواقع يؤكد أن القدس الشريف يتعرض لأبشع صور الاعتداء من جانب إسرائيل والمستوطنين اليهود، بينما يبذل الأردن من جانبه قصارى جهده لحماية مقدسات المسلمين في المدينة المقدسة، ونحن سبق أن هددنا تل أبيب بأننا سنلغي اتفاقية السلام الموقعة بينها وبين الأردن إذا استمرت الممارسات اليهودية الساعية إلى المساس بالمسجد الأقصى، لكن لابد أن يعي العالم الإسلامي كله أن إمكانيات الأردن وحدها لا تكفي لمواجهة الأطماع الإسرائيلية، بل لابد من تكاتف عربي إسلامي قوي لمواجهة تلك الأطماع، وقد حان الوقت أن يستخدم العرب لغة المصالح مع الغرب لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في القدس، خاصة في ظل تصاعد تحرش المستوطنين الصهاينة بالمقدسيين وببيت المقدس، وسعيهم الحثيث إلى هدم المسجد الأقصى لبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.• هل تنسق معكم السلطات الإسرائيلية في أي شأن من شؤون المسجد الأقصى؟- هم يحاولون بين الحين والآخر زعم حسن النوايا، فمثلا تلقى الأردن قبل فترة وجيزة طلبا إسرائيليا بالسماح لعدد من اليهود بالصلاة في الأقصى، ورغم معرفتهم المسبقة برأي الأردن، أرسلوا طلبهم ورددنا عليهم بالرفض، مؤكدين أنه لن يسمح بدخول اليهود المتطرفين إلى المسجد الأقصى للصلاة فيه، وسيستمر منعهم من الدخول إلى المساحة البالغة 144 دونما التابعة للمسلمين، ولابد أن يعي المسلمون أن هذا الطلب محاولة إسرائيلية لتقسيم المسجد سعياً إلى تهويد مدينة القدس، وما لم يتكاتف العرب والمسلمون فسوف يأتي اليوم الذي نندم فيه على مقدساتنا، والأمر الذي يتناساه الكثيرون أن الأقصى ليس ملكاً لأهل فلسطين أو الأردن، بل هو لجميع المسلمين الذي يقارب عددهم الآن ملياري نسمة، شأنه في ذلك شأن المسجد الحرام في مكة المكرمة، والمسجد النبوي في المدينة المنورة.• من وجهة نظركم، كيف نواجه الأطماع والسياسات الصهيونية حيال المسجد الأقصى وغيره من المقدسات الإسلامية في فلسطين؟- لدينا الكثير من الإمكانيات التي تمكننا في حال استخدامها من مواجهة الأطماع الصهيونية، فعلى سبيل المثال لدينا اليوم آلة إعلامية لابد من استخدامها ولنعِ جيداً أن الإعلام هو أهم شيء استخدمته السلطات الصهيونية، بعدما أعيتها الحيل فقد استخدمت التاريخ والدين والآثار والقوة العسكرية وفشلت فيها جميعها، لكنها استخدمت الإعلام بشكل صحيح، وغيرت الرأي العالمي، فهي تسيطر على الإعلام في أوروبا وأميركا، لذا يجب أن نخترق هذا الإعلام المتغلغل، لتصحيح ما بثوه من سموم وكشف كذبهم، ونحن نستطيع إذا وحدنا جهودنا أن نواجه المخططات الصهيونية بقوة.
توابل
وزير الشؤون الإسلامية الأردني د. هايل داود لـ الجريدة•: العرب يعاملون المسجد الأقصى باعتباره ملكية فلسطينية فقط
14-07-2014