لم تظهر حتى الآن إشارات لدور أو رأي إيراني واضح في تشكيل الحكومة العراقية، رغم أن عدداً من الساسة الشيعة يستعدون لزيارة طهران، إما لحضور مؤتمر أو لأداء زيارات معتادة للمراقد الدينية هناك، وهي جولات يُخصَّص جزء منها لمناقشة المواقف والتسويات المترقبة، غير أن المصادر المطلعة تتحدث عن دور تركي أخَّر إعلان عدد من النواب السُّنة تأييدهم لمنح نوري المالكي ولاية ثالثة.

Ad

فقد أمضى بعض النواب السُّنة الأيام المنصرمة، في توضيح مواقفهم إزاء المالكي، بعبارات متلعثمة أحياناً، بينما رد عليهم نواب سنة آخرون بعبارات لم تخلُ من القسوة، محذرين من الانقسام، ومن ضغوط وإغراءات يمارسها المالكي لـ"شراء الذمم"، وانتهى الأمر صباح الأحد الماضي، حين أعلن رئيس البرلمان وزعيم كتلة "متحدون" التشكيل السني الأكبر أسامة النجيفي، أنه يعمل على جمع كلمة المحافظات المنتفضة وهو تعبير عن المحافظات السنية التي تعترض على سياسات المالكي، وأنه لا تراجع عن ضرورة تغيير رئيس الحكومة، موضحاً أن هذا هو الطلب الأساسي الذي يتقدم به السُّنة والأكراد إلى القيادات الشيعية، بهدف تقديم بديل معتدل قادر على إحياء التسويات ومتطلبات التهدئة.

النواب السُّنة الذين كان متوقعاً انضمامهم للمالكي، راحوا يستخدمون عبارات أكثر حذراً في الدفاع عن أنفسهم، من قبيل أن اختيار رئيس الوزراء شأن يخص الشيعة، وأن التغيير مطلوب، لكن مصادر قريبة من المحادثات السنية، تقول إن السفير التركي في بغداد لعب دوراً أساسياً في كبح جماح ساسة كانوا متحمسين لإعلان تأييدهم للمالكي، وخاصة جمال الكربولي زعيم حركة "الحل" المعروف بمهادنته للمالكي واندفاعه في جمع مكاسب ومناصب لا تحصى.

وإذا كان الضغط التركي قد منع انقساماً سنياً يحاول المالكي أن يصنعه في العراق، فإن ضغط الرأي العام لعب دوراً كذلك. فقد شهدت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حملة كبيرة تدين أي نائب سني يمنح صوته لرئيس الحكومة الحالية، ما دفع ساسة بارزين إلى إصدار بيانات متتالية تنفي ذلك، وجعل بعض النواب ينقضون كما يبدو، تعهدات قدموها للمالكي بهذا الشأن، وهي تطورات كشفت أن الضغط على النواب لم يعد سهلاً، وأن مهمة المالكي تزداد صعوبة.

ولم تقتصر الصعوبات التي يواجهها رئيس الحكومة العراقية، على جبهة النواب السُّنة، أو الأحزاب الشيعية الرئيسية التي تعارض بقاءه في السلطة، بل يبدو كذلك أنه عجز عن انتزاع تأييد الكتل الصغيرة الشيعية كحزب الفضيلة أو تيار إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء السابق.

فكل من هذين الفصيلين حصل على 6 مقاعد في انتخابات أبريل الماضي، لكنهما، منذ إعلان النتائج قبل نحو أسبوعين، يمتنعان عن إعلان تأييد للولاية الثالثة، رغم أنهما بقيا منخرطين في تأييد سياسات المالكي طوال الأعوام الأربعة الماضية.

ويشير الأمر إلى أن الأطراف الشيعية "المترددة" بين المالكي ومعارضيه، تدرك أن الولاية الثالثة لا تزال مهمة صعبة، وتخطب ود المجلس الأعلى بزعامة عمار الحكيم، والتيار الصدري، اللذين شكلا جبهة موحدة بنحو 70 نائباً، ويعملان لطرح مرشح بديل لرئاسة الحكومة، يكون مقبولاً من الأكراد والسُّنة، ويتفاوضان مع إيران على ضرورة أن تتقبل هذه الخطوة، بهدف تخفيف الأزمات المتصاعدة بشكل غير مسبوق منذ انسحاب الجيش الأميركي قبل نحو سنتين.