هذا المشهد الرياضي الفاسد هو نموذج مصغر لما يجري في البلد من فساد وتدهور على جميع المستويات، فبدلاً من أن تكون مؤسسات الدولة مراكز للنهوض بمستوى البلد وتسهيل حياة الناس ومعاملاتهم وتعزيز العدالة والمساواة، صارت مراكز لشراء الولاءات وخدمة الراشين والمرتشين والفاسدين، وباتت أدوات يستخدمها المتصارعون على الحكم.
صارت مباراة نهائي كأس ولي العهد بين ناديي "العربي" و"القادسية" وما رافقتها من أحداث مؤسفة حديث الناس ومثاراً لنقاشات حادة، وكل ذلك مبرر لأن ما جرى من مهزلة رياضية لم يكن مجرد أخطاء تحكيمية قاتلة بل مسرحية مفضوحة وانحياز واضح لنادي القادسية وإهدائه المباراة على طبق من ذهب، مع أنه ناد كبير ولا يحتاج لمثل هذا الانحياز السافر.وهذه المهزلة ليست فقط وجهاً لفساد الرياضة، بل هي نموذج مصغر لما يحدث على مستوى البلد ككل- مثلما بيَّن الزميل جعفر رجب- من سرقة في وضح النهار دون إعارة أي اهتمام لردود فعل الناس بعدما كانت السرقات في السابق تتم في جنح الظلام. ما دمر الرياضة في البلد منذ التحرير إلى يومنا هذا هو سيطرة عيال عم الشيخ سلمان (مع الاعتذار للأستاذ عبداللطيف الدعيج على استخدام مصطلحه المشهور) على الرياضة عن طريق شركتهم المقفلة، حيث أطبق الشيخ أحمد الفهد وأشقاؤه أيديهم على كل مفاصل الرياضة من أندية ولجنة أولمبية واتحادات رياضية، والتي بات يحكم أغلبيتها مجموعة من الطارئين والمنتفعين اللاهثين وراء السفرات والمعسكرات الخارجية، الذين لا مؤهل لهم سوى أنهم موظفون في تلك الشركة المقفلة، وأدى كل ذلك إلى تدهور الرياضة على جميع المستويات، وصارت الأندية الصغيرة مجرد مراكز لخدمة نادي القادسية وتزويده بما يريد من لاعبين مميزين في الألعاب المختلفة إلى أن وصلنا إلى إهدائه البطولات باستخدام الحكام وبشكل سافر مفضوح، وفيه الخصام وهو الخصم والحكم.وهذا المشهد الفاسد هو نموذج مصغر لما يجري في البلد من فساد وتدهور على جميع المستويات، فبدلاً من أن تكون مؤسسات الدولة مراكز للنهوض بمستوى البلد وتسهيل حياة الناس ومعاملاتهم وتعزيز العدالة والمساواة، صارت مراكز لشراء الولاءات وخدمة الراشين والمرتشين والفاسدين، وباتت أدوات يستخدمها المتصارعون على الحكم. فصارت التعيينات في المراكز القيادية خاضعة لوساطة نائب من أجل شراء تصويته في المجلس، أو من أجل خدمة مصالح متنفذ ما، أو من أجل بسط نفوذ الأقطاب المتصارعة على الوزارات، مما أدى إلى انتشار الفساد والرشوة بشكل كبير في الوزارات المختلفة، وازدادت السرقات عبر انحسار التنافس على المناقصات، وكثرة الأوامر التغييرية والتغاضي عن المخالفات عبر رشوة المسؤولين حتى صغار الموظفين، فما دام رب البيت بالدف ضارباً، فشيم أهل الدار الرقص. إن إصلاح هذه الأوضاع الفاسدة سواء على مستوى الرياضة أو على مستوى البلد ككل سيكون مستحيلاً في ظل قواعد اللعبة الحالية، ومثلما لا حل للرياضة إلا بخصخصتها، فلا حل للبلد ككل إلا بتخفيض حجم القطاع العام عبر الخصخصة الذكية وتحرير الاقتصاد، واقتصار دور الحكومة على المراقبة فقط بدلاً من إدارة كل مفاصل الاقتصاد تقريباً، فلن تنصلح حال البلد إلا بسحب خيوط اللعبة من أيدي السلطة.
مقالات
فساد الرياضة من فساد البلد
06-02-2014