الذي مات هو نيلسون مانديلا، وهو الذي لم يمت حتى أصبح الاسم الأكثر شهرة ربما بعد غاندي، الذي عاش في ذات البلد يصنع ملابسه الفقيرة في زنزانته بآلة صغيرة تحتل اليوم منتصف العلم الهندي الرسمي وتباع قبل أيام في مزاد علني. الذي عاش وأفلت من الموت، حقق له السجن وحريته بعد ذلك مجدا كبيرا ومحبين ودولة تتغير وتترك عنصريتها ومحاربة اللون الأجمل فيها.

Ad

الذي مات دون أن يكون له اسم كاسم مانديلا لا يذكره أحد كمانديلا كان أحد أهم الشخصيات المؤثرة في مناهضة الفصل العنصري، أحد هؤلاء الذين يمنحون أرواحهم لقضية لا يجنون ثمارها ولا يعرفون الى أين يؤول مصيرها. ما يكتب عنهم أقل مقارنة بالأحياء الذين كتب لهم النجاح والحياة. تذكرهم بعض الأغنيات والكتب المتواضعة التي لا تتصدر قائمة العرض.

لست مفتونا جدا بمانديلا، رغم نضال الرجل الطويل والمرير في السجون السوداء للرجل الأبيض، قدر افتناني بزميله ستيف بيكو الذي سقط سريعا في زنزانة التعذيب رقم 619 والتي أصيب بها بجراح في الرأس نتيجة التعذيب. تم نقله بسيارة "لاند روفر" عاريا وجريحا ليقطع مسافة ألف كيلومتر للوصول الى سجن آخر تتوافر فيه الرعاية الطبية ويموت قبل الوصول اليه. كتب في التقرير أنه مات نتيجة اضرابه عن الطعام. حتى تدخل الصحافي الشهير "دونالد وود" ليظهر حقيقة أسباب وفاة بيكو. تم حجز السيد وود تحت رعاية الشرطة ولأنه رجل أبيض استطاع الهرب الى لندن ليصبح أول مواطن يلقي خطابا أمام هئية الأمم المتحدة عام 1978.

ذلك الخطاب الذي أظهر وحشية النظام في جنوب افريقيا فتوقفت عمليات اغتيال المناضلين السود في السجون. قتل بيكو في عام 1977 وعاش مانديلا سجينا وأكمل حياته زعيما واختفى اسم بيكو الا من بعض الأغنيات الثورية. سمعت اسمه أول مرة عام 1980 في أغنية لجون بيز أعادها بيترغبراييل. وفيلم وثائقي في ما بعد حول نضاله منذ كان طالبا في الثانوية وطرده من المدرسة ودراسة الطب في ما بعد وطرده أيضا من الجامعة لأكثر من مرة.

تأثر بيكو بمثقف مهم في تلك الفترة وأحد أهم نقاد الكولونوية الفرنسي الأسود فرانز فانون والذي كان طبيبا أيضا، ولكن بيكو اعتمد طريقين في مناهضة العنصرية الأول كان التحرير النفسي للسود وتخليصهم من وطأة الصورة النمطية التي يعيشونها. وأطلق منظمة "حركة الضمير الأسود" وعبارة "الأسود جميل"، والثاني كان التحرير الجسدي. لم يكن بيكو يؤمن بحالة النضال السلمي في المواجهة وأصر على عكس البقية في العنف مقابل العنف. يخالف الكثيرون سياسة بيكو ويرون أنها لم تكن لتصل بهم الى شيء لو استمر في نهجه ولكن الرجل كان المعادل الموضوعي لحركة اللاعنف التي نالت اليوم حقها في التصويت والزعامة.

مات بيكو ليصبح الأقل شهرة من غيره ولو كتب له النجاح لتغيرت صورة الصراع ولكان الاحتفال بمانديلا حيا وميتا من نصيبه. من يدفعون الثمن الباهظ ليسوا الذين ينالون المجد دائما.