مأزق وهمي
![حسن العيسى](https://www.aljarida.com/uploads/authors/25_1682522445.jpg)
وضعنا بين هذين الخيارين، فالذي يرجِّح ضمنياً خيار "الصهينة" على مسائل الفساد غير مقبول منه ذلك، لأنه يتناسى أن قوى المحافظة الدينية هنا في الكويت أو في معظم أقطارنا العربية لم تظهر من العدم، فالأنظمة الحاكمة وجدت ضالتها في "سلاح الدين" لتدجين شعوبها، والمثال الفذ على ذلك يتمثل بالتجربة المصرية أيام الرئيس المؤمن أنور السادات في الماضي، حتى انقلبت عليه وطرحته صريعاً، ووجدنا، بالمناسبة واستطراداً، أيضاً شخصية شاعر يساري فذ وهو الراحل أحمد فؤاد نجم تمجد قتلة السادات، وكأنه من الواجب علينا أن نتقبل أي نظام حتى ولو كان دينياً متطرفاً مقابل الخلاص من طاغية، ثم يعود الشاعر الشعبي الراحل ليؤيد حركة الانقلاب على الشرعية الدستورية في 30 يونيو الماضي طالما كانت تلك الشرعية متمثلة بجماعة الإخوان المسلمين! ويعصف النظام العسكري الجديد بالحريات السياسية جملةً وتفصيلاً، ونتذكر هنا عبارة باسم يوسف حين قال: "قدمت 30 حلقة نقد لمرسي ولم يمنعني، وحلقة واحدة لم يتقبلها النظام الجديد، ومنع البرنامج".كان ذلك استطراداً لا بد منه لتوضيح هذا الخيار المستحيل، ونعود إلى الكويت، التي لا تمثل حالة استثنائية من القاعدة العربية، وإن اختلفت عنها في معايير الثراء وهامش الحرية السياسية النسبي، يبقى أن نعترف بأن أنظمة دولنا العربية التي مارست الفساد هي التي "خلقت" أو تسببت في خلق التطرف الديني، واحتفلت بإلهاء الشعوب عن مصيرها البائس، ولم يكن بالأمر الجديد استعمال الدين لاستمالة الشعوب وقمعها، فأوروبا العصر الوسيط ومنذ قيام الدولة الرومانية المقدسة سارت على ذلك الدرب، وحدثت الصراعات بين الأنظمة الملكية و"بابوات" روما على "الشرعية الدينية" واستقلالية الملك عن البابا، وتزامن هذا مع بزوغ حركات الإصلاح الديني والحروب الدينية "الطائفية" حتى انتهت بقيام الثورة الفرنسية بدمويتها المرعبة وشعار "لا حرية لأعداء الحرية" لتستقر الأمور نهائياً، ليس بسيطرة نابليون على الحكم ولكن بإقرار دستور 1905 وفرض العلمانية مرة واحدة وللأبد. لعلنا اليوم، أيام الربيع العربي بكل صوره المخيفة، نمر بتلك المرحلة الأوروبية مع اختلافات كبيرة، لكن في كل حال يبقى الإقرار بضرورة رفضنا أن نُحشَر بين خيارين إما أنظمة حاكمة ترفض الإصلاح وتمنح هامشاً ساذجاً من الحريات الاجتماعية أو نظام ديني يدعو بعمومية إلى محاربة الفساد، وفي الوقت ذاته يقوّض الحريات الاجتماعية... مفاضلة "إما" و"أو" يتعين رفضها من أساسها، فهي خاطئة، ولابد العمل من أجل طريق ثالث مهما كان بعيداً الآن.