لماذا تمسّكت الولايات المتحدة بالمالكي وخسرت العراق؟ (2)

نشر في 09-07-2014 | 00:02
آخر تحديث 09-07-2014 | 00:02
لفهم سبب انهيار العراق، يجب أن نفهم رئيس الوزراء نوري المالكي ونكتشف ما جعل الولايات المتحدة تدعمه منذ عام 2006. هنا وجهة نظر علي خضري الواردة في «واشنطن بوست».
في الأشهر الأخيرة من عام 2008، أصبح نجاح التفاوض على شروط استمرار الالتزام الأميركي في العراق إحدى أولويات البيت الأبيض. لكنّ فقدان الأمل في عقد صفقة قبل انتهاء عهد بوش، تزامناً مع انهيار الاقتصاد العالمي، أضعف موقفنا.

تنامى نفوذ المالكي ومساعديه فراحوا يطالبون بكل شيء من دون تقديم أي شيء في المقابل. حاولوا مثلاً إقناع الولايات المتحدة بعقد صفقة سيئة تضمن استمرار الدعم للعراق مقابل منح الولايات المتحدة امتياز رمي مزيد من الموارد في هاوية سحيقة. أظن أن مشهد المسؤولين الأميركيين وهم يتوسلون إلى المالكي أرضى غروره. بعد تنظيم رحلة بوش الأخيرة إلى العراق (حيث تعرّض لهجوم بحذاء خلال مؤتمر صحفي عقده المالكي للاحتفال بتوقيع الاتفاقيات الثنائية)، غادرتُ بغداد مع كروكر في 13 فبراير 2009. بعد أكثر من ألفَي يوم من الخدمة، شعرتُ بالمرض وتعبتُ جسدياً ونفسياً ولكني كنت آمل أن تعطي التضحيات الأميركية الهائلة نتيجة إيجابية. {واشنطن بوست} ألقت الضوء على الموضوع.

بعدما تعهدت إدارة أوباما بإنهاء حرب بوش {الغبية}، ومع استمرار الالتهاء بالأزمة الاقتصادية العالمية، استغل المالكي الفرصة. فبدأ حملة منهجية لتدمير الدولة العراقية واستبدالها بمكتبه الخاص وحزبه السياسي. فطرد جنرالات محترفين واستبدلهم بأشخاص موالين له شخصياً. كذلك أجبر رئيس المحكمة العليا على منع بعض خصومه من المشاركة في انتخابات مارس 2010. بعد الإعلان عن النتائج وخسارة المالكي حكومة ائتلافية معتدلة وموالية للغرب كانت تشمل جميع الفئات العرقية والطائفية الكبرى، أصدر القاضي حكماً يمنح المالكي أول فرصة لتشكيل حكومة، ما أدى إلى تصاعد منسوب التوتر والعنف.

حصل ذلك كله وسط فراغ قيادي في السفارة الأميركية في بغداد. بعد شهرين من دون سفير، وصل بديل كروكر في أبريل 2009 بينما توليتُ أنا مهمة جديدة تمتد على عواصم الشرق الأوسط مع بتريوس، الرئيس الجديد للقيادة المركزية الأميركية. لكن كانت التقارير من المسؤولين العراقيين والأميركيين في بغداد مقلقة. حين كان الجنود الأميركييون ينزفون والأزمة الاقتصادية العالمية تحتدم، أطلقت السفارة حملة مكلفة لتجميل البلد وإنشاء حانة وملعب كرة قدم، واستكمال حوض سباحة بحجم أولمبي، وملعب كرة سلة، وملاعب لكرة المضرب وكرة القاعدة، في سفارتنا التي كلّفت مليارات الدولارات. أتلقى دوماً شكاوى من مسؤولين عراقيين وأميركيين لأن معنويات العاملين في السفارة بدأت تتراجع ولأن العلاقات بين القيادة الدبلوماسية والعسكرية الأميركية انهارت (مع أنها كانت قوية جداً في عهد كروكر وبتريوس وضرورية جداً لكبح أسوأ ميول المالكي وضمان تقدم العراقيين). زادت قوة دولة الشرطة التي يقودها المالكي مع مرور الأيام.

خلال اجتماع حصل في بغداد مع وفد استضافه بتريوس من أعضاء مجلس العلاقات الخارجية بعد فترة قصيرة من انتخابات عام 2010، أصر المالكي على حصول تزوير في الانتخابات بسبب الولايات المتحدة وبريطانيا والأمم المتحدة والمملكة العربية السعودية. حين خرجنا من غرفة رئيس الوزراء، نظر إليّ مسؤول تنفيذي مصدوم، وهو والد ضابط في البحرية الأميركية، وسألني: {الجنود الأميركيون يموتون لإبقاء هذا الوغد في السلطة؟}.

مع استمرار الأزمة السياسية طوال أشهر، طلب مني سفير جديد كنت قد عملتُ معه سابقاً، وهو جيمس جيفري، العودة إلى بغداد للتوسط بين الفصائل العراقية. حتى في تلك الفترة، أي في أغسطس 2010، شعرتُ بصدمة كبيرة بعد تبديد نجاح خطة زيادة القوات العسكرية بسبب المالكي وقادة عراقيين آخرين. سأل الأكراد كيف يمكن تبرير البقاء ضمن دولة عراقية شائبة قتلت مئات الآلاف من شعبها منذ الثمانينيات. أما العرب السُّنة (الذين تغلبوا على الانقسامات الداخلية لتشكيل حكومة ائتلافية بقيادة كتلة {العراقية} العلمانية مع عرب شيعة وأكراد وتركمان ومسيحيين)، فقد شعروا بالسخط حين طُلب منهم التنازل عن رئاسة الوزراء بعد استهداف {القاعدة} والفوز بالانتخابات. حتى القادة الشيعة عبّروا في مجالسهم الخاصة عن انزعاجهم من وجهة العراق في عهد المالكي ووصفه الصدر علناً بـ}الاستبدادي}. الأسوأ من ذلك هو أن الولايات المتحدة لم تعد تُعتبر وسيطة نزيهة.

بعدما أسهمتُ في إيصال المالكي إلى السلطة في عام 2006، أعلنتُ عن ضرورة رحيله في عام 2010. شعرتُ بالذنب لأنني أعارض بقاء صديقي أبو إسراء في السلطة، لكنّ المسألة ليست شخصية. لقد أصبحت المصالح الأميركية المحورية على المحك. قُتل آلاف الأميركيين والعراقيين وصُرفت تريليونات الدولارات لمساعدة البلد على تحسين أمنه القومي، وليس لتحقيق طموحات رجل واحد أو حزب واحد. كان لا بد من حماية العملية الدستورية وكنا نحتاج إلى قائد عصري يستطيع توحيد مختلف الفئات ولديه خبرة اقتصادية لإعادة بناء العراق بعدما سحق المالكي الذي يركز على الأمن الميليشيات و}القاعدة}.

في محادثات مع كبار المسؤولين الذين زاروا البيت الأبيض، ومع السفير والجنرالات وزملاء آخرين، اقترحتُ اسم نائب الرئيس عادل عبد المهدي خلفاً له. عبد المهدي عضو سابق في حزب البعث وهو شيعي معتدل وخبير اقتصادي يجيد اللغة الفرنسية وكان قد تولى منصب وزير المالية، وقد حافظ على علاقات ممتازة مع الشيعة والسُّنة والأكراد، وفي الوقت نفسه مع إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية.

في 1 سبتمبر 2010، تواجد نائب الرئيس بايدن في بغداد للاحتفال بتغيير القيادة التي شهدت رحيل الجنرال راي أوديرنو ووصول الجنرال لويد أوستن في منصب قائد القوات العسكرية. في تلك الليلة، خلال عشاء في مقر السفير بحضور بايدن وفريقه والجنرالات وكبار المسؤولين في السفارة، طرحتُ حجة مختصرة لكن مؤثرة ضد بقاء المالكي وشددتُ على ضرورة احترام العملية الدستورية. لكن قال نائب الرئيس إن المالكي هو الخيار الوحيد. في الشهر اللاحق، قال لكبار المسؤولين الأميركيين: {أراهن بمنصبي على أن المالكي سيمدد اتفاقية وضع القوات} (أي الاتفاقية التي تسمح للقوات الأميركية بالبقاء في العراق بعد عام 2011).

لم أكن المسؤول الوحيد الذي عارض بقاء أبو إسراء. حتى قبل عودتي إلى بغداد، عارض مسؤولون آخرون بقاء المالكي، من بينهم نائب السفير الأميركي روبرت فورد، وأوديرنو، والسفير البريطاني السير جون جينكينز، والسفير التركي مراد أوجيليك، فتجادلوا مع البيت الأبيض والسفير الأميركي كريستوفر هيل، وأبرز مؤيد للمالكي، نائب مساعد وزير الخارجية المستقبلي بريت ماكغورك. مع دعم أوستن للمالكي أيضاً، بقينا عالقين في المأزق نفسه لأن القادة العراقيين كانوا منقسمين وعاجزين عن التوافق على المالكي أو البحث عن خيار بديل.

لكن لم تكن نقاشاتنا مهمة لأن أقوى رجل في العراق والشرق الأوسط، الجنرال قاسم سليماني، رئيس قوة {القدس} في الحرس الثوري الإيراني، كان يوشك على حل الأزمة نيابةً عنا. بعد أيام على زيارة بايدن إلى بغداد، استدعى سليماني قادة العراق إلى طهران. شعر العراقيون بالامتنان تجاهه بعد عقود من تلقي الأموال النقدية والدعم من إيران، فاعترفوا بأن النفوذ الأميركي في العراق بدأ يتلاشى مقابل تنامي نفوذ إيران. وفق مسؤول عراقي سابق حضر ذلك الاجتماع، قال سليماني: {الأميركيون سيتركونكم يوماً، لكننا سنبقى دوماً جيرانكم}.

بعد تحذير العراقيين المتخاصمين حول ضرورة التعاون في ما بينهم، فرض سليماني النتيجة النهائية باسم القائد الأعلى الإيراني: سيبقى المالكي رئيس الوزراء، وسيبقى جلال طالباني رئيساً للبلاد (علماً أنه زعيم أسطوري لعصابة كردية وله روابط قديمة مع إيران)، والأهم من ذلك أن الجيش الأميركي سيغادر في نهاية عام 2011. قال سليماني إن القادة العراقيين الذين تعاونوا معه سيتابعون الاستفادة من غطاء سياسي إيراني ومن مبالغ نقدية. أما الذين تحدوا إرادة الجمهورية الإسلامية، فسيواجهون أسوأ العواقب.

خيار واشنطن

كنت مصمّماً على عدم السماح لجنرال إيراني كان قد قتل عدداً لا يُعدّ ولا يُحصى من الجنود الأميركيين بأن يملي شروط اللعبة النهائية على الولايات المتحدة في العراق. في شهر أكتوبر، ناشدتُ السفير جيفري كي يتخذ الخطوات اللازمة لمنع هذه النتيجة. قلتُ له إن إيران تنوي إجبار الولايات المتحدة على الخروج من العراق بشكل مهين وأنّ أي حكومة طائفية برئاسة المالكي في بغداد ستؤدي حتماً إلى اندلاع حرب أهلية أخرى تمهيداً لصراع إقليمي شامل. يمكن منع ذلك إذا تصدّينا لإيران عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية تُجمع على خيار بديل مثل عبد المهدي. أعترف بأن هذا الأمر سيكون بالغ الصعوبة. لكن في ظل وجود 50 ألف جندي ميدانياً، بقيت الولايات المتحدة لاعبة نافذة. كان الخيار البديل هو الهزيمة الاستراتيجية في العراق والشرق الأوسط. تفاجأتُ لأن السفير نقل مخاوفي إلى كبار موظفي البيت الأبيض، وطلب نقلها إلى الرئيس ونائبه، فضلاً عن كبار المسؤولين عن الأمن القومي في الإدارة.

أردتُ منع الكارثة بأي ثمن، لذا استعملتُ معارفي السياسية لتنظيم اجتماع بين جيفري وأنتوني بلينكن، مستشار بايدن في مجال الأمن القومي ومساعد بارز في العراق، مع أحد أهم آيات الله في العراق. قال رجل الدين الشيعي بلغة صريحة إنه يظن أن إياد علاوي الذي تولى منصب رئيس الوزراء الموقت بين عامي 2004 و2005 وعبد المهدي هما الزعيمان الشيعيان الوحيدان اللذان يستطيعان توحيد العراق. كذلك اعتبر أن المالكي كان رئيس وزراء حزب {الدعوة} وليس العراق وهو سيقود البلد إلى الهاوية.

لكن ذهبت هذه الضغوط كلها أدراج الرياح. بحلول شهر نوفمبر، كان البيت الأبيض قد حدد استراتيجيته الكارثية في العراق. سيتم تجاهل العملية الدستورية العراقية ونتائج الانتخابات وستقدم الولايات المتحدة كامل دعمها للمالكي. كذلك، ستحاول واشنطن إزاحة طالباني وتعيين علاوي كجائزة ترضية لكتلة {العراقية}.

في اليوم التالي، تواصلتُ مجدداً مع بلينكن وجيفري وأوستن وزملائي في السفارة وأرباب عملي في القيادة المركزية، وتحديداً الجنرالان جيم ماتيس وجون آلن، وحذرتهم من أننا نرتكب غلطة تاريخية. شرحتُ لهم أن المالكي سيتابع ترسيخ سلطته عبر التخلص من خصومه السياسيين، ولن يتنحى طالباني مطلقاً بعد محاربة صدام حسين طوال عقود وتولي منصبه، وسيثور السُّنة مجدداً إذا لاحظوا أننا نخون وعدنا بالوقوف معهم بعد هزيمة {القاعدة} بفضل حركة {الصحوة}.

تأثر ماتيس وآلن بكلامي لكن لم يتأثر داعمو المالكي. أرسلني السفير إلى الأردن لمقابلة مجموعة من كبار القادة السُّنة العراقيين وإخبارهم بضرورة الانضمام إلى حكومة المالكي. كان جوابهم متوقعاً. قالوا إنهم سينضمون إلى الحكومة في بغداد لكنهم لن يسمحوا للإيرانيين وعملائهم بأن يحكموا العراق، ولن يعيشوا في ظل النظام الديني الشيعي أو يقبلوا بمتابعة تهميشهم في عهد المالكي. بعدما وجّهوا سلاحهم ضد {القاعدة} خلال {الصحوة}، يريدون الآن حصتهم في العراق الجديد كي لا تتم معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية. كذلك حذروا من أنهم سيحملون السلاح مجدداً إذا لم يحصل ذلك.

ثم حلّت الكارثة. رفض طالباني التنحي بطلبٍ من البيت الأبيض ولجأ إلى إيران لضمان صموده. بناءً على تعليمات طهران، بدأ المالكي يشكّل حكومة تتألف من الرجال العراقيين المفضلين بالنسبة إلى إيران. هكذا أصبح هادي العامري، قائد فيلق {بدر} المعروف، وزير النقل وبات يسيطر استراتيجياً على الموانئ البحرية والجوية والبرية. وأصبح خضير الخزاعي نائب الرئيس ثم عمل كرئيس بالوكالة. وأصبح أبو مهدي المهندس، العقل المدبر في حزب «الدعوة» والمسؤول عن تفجير السفارة الأميركية في الكويت في عام 1983، مستشاراً للمالكي وجاره في «المنطقة الخضراء». تحرر مئات، أو ربما آلاف، المعتقلين من أتباع الصدر. ثم جرّد المالكي جهاز الاستخبارات الوطنية من فرعه في إيران، ما أضعف قدرة الحكومة العراقية على مراقبة خصمها المجاور.

علي خضري رئيس شركة «دراغومان بارتنرز» (Dragoman Partners) المتمركزة في دبي ومديرها التنفيذي. بين عامي 2003 و2009، كان المسؤول الأميركي الذي خدم لأطول فترة متواصلة في العراق، فعمل كمساعد خاص لخمسة سفراء أميركيين ثم أصبح مستشاراً بارزاً لثلاثة رؤساء في القيادة المركزية الأميركية. بصفته مسؤولاً تنفيذياً في شركة «إكسون موبيل»، تفاوض في عام 2011 حول دخول الشركة إلى إقليم كردستان العراق.

خيانة أميركية

سرعان ما انهارت السياسة الأميركية في العراق. غضبت كتلة {العراقية} من ما اعتبرته خيانة أميركية ووقعت في فخ الاعتبارات العرقية والطائفية، فقد سعى القادة إلى كسب المناصب الحكومية خوفاً من أن يصبحوا خارج نظام الرعاية المربح في العراق. بدل تخصيص 30 يوماً لمحاولة تشكيل حكومة، كما ينصّ الدستور العراقي، اكتفى القادة السُّنة بتولي مناصب مبهرة ظاهرياً لكن مع صلاحيات محدودة. خلال فترة قصيرة، طردت دولة الشرطة التي يرأسها المالكي معظم هؤلاء القادة من معترك السياسة، فركنت الدبابات التي وفرها الأميركيون خارج منازل القادة السُّنة قبل اعتقالهم. بعد ساعات على انسحاب القوات الأميركية في ديسمبر 2011، سعى المالكي إلى اعتقال خصمه القديم، نائب الرئيس طارق الهاشمي، وحُكم عليه بالإعدام غيابياً. ثم طُرد وزير المالية رافع العيساوي بعد سنة.

لم يعيّن المالكي يوماً وزير داخلية أو وزير دفاع أو رئيساً للاستخبارات بموافقة البرلمان. بل تولى هذه المناصب بنفسه. كذلك نكث بمعظم الوعود التي أطلقها عن تقاسم السلطة مع خصومه السياسيين بعدما صوتوا في البرلمان لإعادته إلى السلطة في أواخر عام 2010.

ألغى أيضاً الوعود التي قطعها على الولايات المتحدة. بناءً على تعليمات إيران، لم يبذل جهوداً كبرى في نهاية عام 2011 لتجديد الاتفاقية الأمنية التي كانت لتسمح للقوات الأميركية بالبقاء في العراق. ولم يقفل مكتب القائد العام الذي يديره، أي المقر الذي يستعمله للالتفاف على سلسلة القيادة العسكرية عبر جعل جميع القادة يبلغونه بأدق التفاصيل. أصر على متابعة التحكم بقوات مكافحة الإرهاب العراقية التي تدربت على يد الأميركيين وقوات {سوات}، واعتبرها بمثابة حرس إمبراطوري للبلد. لم يفكك منظمات الاستخبارات السرية والسجون ومنشآت التعذيب التي استعملها ضد خصومه، ولم يلتزم بالقانون الذي يحصر مدة ولايته، بل دعا المحاكم الشعبية مجدداً إلى إصدار حكم لصالحه. كذلك لم يصدر حتى الآن قرار عفو شامل وجديد كان ليسهم في كبح الاضطرابات التي تسببها الفصائل الشيعية والسنية التي كانت عنيفة سابقاً ثم انخرطت تدريجاً في السياسة.

باختصار، يبدو العراق في عهد المالكي وحزب {الدعوة} مشابهاً للبلد الذي حكمه صدام حسين وحزب {البعث}. لكن نجح صدام حسين على الأقل في احتواء عدو استراتيجي للأميركيين: إيران. ولم تنفق واشنطن تريليون دولار لدعمه. لن يبقى الكثير من معالم {الديمقراطية} إذا سيطر رجل واحد وحزب واحد له روابط وثيقة مع إيران على السلك القضائي والشرطة والجيش وأجهزة الاستخبارات وعائدات النفط وخزينة الدولة والبنك المركزي. في ظل هذه الظروف، لم يكن تجدد الحرب الأهلية الطائفية في العراق احتمالاً وارداً بل نتيجة مؤكدة.

قدمتُ استقالتي احتجاجاً على ما حصل في 31 ديسمبر 2010. الآن وقد أصبحت الولايات المتحدة متورطة مجدداً في العراق، شعرتُ أنه من واجبي الوطني والأخلاقي أن أشرح المعطيات التي أوصلتنا إلى هذا المأزق.

الأزمة التي تجتاح العراق والشرق الأوسط الآن لم تكن متوقعة فحسب بل كان يمكن تجنبها. من خلال إشاحة النظر عن ما يحصل وتقديم دعم غير مشروط للمالكي وتسليحه، أطال الرئيس أوباما بكل بساطة الصراع الذي أطلقه الرئيس بوش بشكل متهور. أصبح العراق اليوم دولة فاشلة. وفيما تتخبط دول الشرق الأوسط لأسباب عرقية وطائفية، من المتوقع أن تصبح الولايات المتحدة أحد أكبر الخاسرين في الحرب المقدسة المستجدة بين السُّنة وبين الشيعة، إذ من المنتظر أن ينهار الحلفاء وأن يخطط المتطرفون لنسخة جديدة من اعتداءات 11 سبتمبر.

تجاهل أشرس الداعمين الأميركيين للمالكي المؤشرات التحذيرية ووقفوا على الهامش فيما راح جنرال إيراني يقرر مصير العراق في عام 2010. تكمن المفارقة في واقع أن هؤلاء المسؤولين أنفسهم بدأوا يتخبطون الآن لإنقاذ العراق ولكنهم يرفضون أن يدينوا انتهاكات المالكي علناً ويصرّون على منحه الأسلحة التي يمكن أن يستعملها لشن حرب ضد خصومه السياسيين.

لماذا تمسّكت الولايات المتحدة بالمالكي وخسرت العراق؟ (1)

back to top