أبو «تصفير الخلافات»!
أنْ يقلق الأتراك من "تزايد الطابع الطائفي للحرب الأهلية" في سورية فإنَّ هذا بالإمكان فهمه وتقديره، فتدخل تركيا في الأوضاع السورية الداخلية لم يأخذ أي طابع طائفي على الإطلاق، رغم أنَّ هناك "مصاهرة" سياسية مستجدة بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان و"الإخوان المسلمين"، ومن بينهم إخوان سورية، أمَّا بالنسبة لإيران فإنَّ قول وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، خلال لقاءٍ في إسطنبول مع أحمد داود أوغلو، إنه "يعتقد أن الصراع الطائفي يمثل خطراً أكبر وليس قاصراً على منطقة واحدة"! لا يمكن تصديقه ولا يمكن الركون إليه."لا تنظر إلى دموع عينيه بل انظر إلى فعل يديه"، فوزير الخارجية الإيراني، عندما يتحدث عن الصراع الطائفي في سورية بهذه الطريقة، إمَّا أنه يتغابى أو أنه يتشاطر على هذا "المسكين" أحمد داود أوغلو الذي مع أنه هو صاحب اختراع "تصفير الخلافات" إلا أنه لم يصفِّر شيئاً، والدليل هو هذا الخلاف الذي افتعله رجب طيب أردوغان مع مصر دفاعاً عن الإخوان المسلمين الذين هم بدورهم لم يصفروا خلافاتهم، حتى مع من كانوا حلفاء لهم في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، خلال العام الذي حكموا فيه أرض الكنانة وأثبتوا أنهم، رغم تجاوز عمرهم السياسي والتنظيمي الخمسة والثمانين عاماً، مازالوا غير مؤهلين للحكم، وأنهم لا يتقنون إلا تمسيد اللِّحى وصراخ الشوارع وإصدار البيانات العرمرمية الجزيلة الألفاظ.
كان على السيد أحمد داود أوغلو أن يطلب من ندِّه الإيراني محمد جواد ظريف، الذي تدلّ حركاته وابتساماته على أنه ظريفٌ جداً بالفعل، كشرْطٍ لـ"تصفير الخلافات" المتعلقة بالأوضاع السورية التي تجاوز تأزمها كل الحدود، أن تبادر إيران إلى وقف تدخلها السافر في الشأن السوري الداخلي، وأن تسحب زمرها الطائفية والميليشيات المذهبية العراقية واللبنانية وأيضاً الحوثية من سورية التي لولا التدخل الإيراني والروسي ما غرقت في الدماء والدمار على هذا النحو، ولكان نظامها رفع يديه استسلاماً منذ الأشهر الأولى. كيف من الممكن أن يصدِّق أحمد داود أوغلو أن محمد جواد ظريف ضد "الطابع الطائفي" للحرب الأهلية المحتدمة في سورية وفي العراق، والتي يبدو أنها انتقلت إلى لبنان وأنه سيعمل معه "لمكافحة مثل هذه السيناريوهات التي تهدف إلى أن يكون الصراع طائفياً"، بينما قاسم سليماني هو المشرف على غرفة عمليات النظام السوري وبدوافع مذهبية وطائفية، وبينما الحجة التي يتذرع بها الإيرانيون لتبرير كل هذا التدخل في الشؤون الداخلية السورية هي حماية مقام السيدة زينب وحماية قبر حجر بن عدي الذي لم يسمع أحد باسمه هذا قبل كل هذه المستجدات المريضة الوافدة مع ميليشيات "حزب الله" وفيلق "أبوالفضل العباس" و"عصائب الحق".. وأي حق؟!نعم... لابد من أن يتزايد الطابع الطائفي لهذه الحرب الأهلية المحتدمة حالياً في سورية وفي العراق، ولابد من اكتواء إيران بجمر النيران المذهبية التي أشعلتها في هذين البلدين العربيين، فعندها من أهل السنة منْ بقوا يعانون تمييزاً مذهبياً لا حدود له ولم يعد يطاق، ولذلك ولأن المثل يقول "كما تدين تدان" فإن هذه الحروب الطائفية التي أشعلها الإيرانيون في هذه المنطقة ستنتقل إلى بلدهم لا محالة ماداموا مستمرين في غيِّهم ومستمرين في رفض "تصفير الخلافات"!وهنا فإن على روسيا أيضاً أن تدرك أن ألسنة النيران المتأججة في سورية وفي العراق ستنتقل إليها لا محالة، إنْ هي لم تبادر إلى "كفِّ شرها" عن أهل هذه المنطقة العربية، وإنْ هي لم تضع حدّاً لتبنيها للطائفية الإيرانية وتوقف تدخلها الأعمى في الشؤون السورية الداخلية وتتخلى عن انحيازها للذين يذبحون الشعب السوري بدوافع مذهبية، وهذا يؤكده ظريف ويعترف به عندما يقول: "أعتقد أن الصراع الطائفي يمثل خطراً أكبر... ليس مقتصراً على منطقة واحدة!".