محاضرة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية السابق د. محمد الصباح في منتدى التنمية مهمة، لأنها خطاب صادر من شخص شغل منصب المسؤولية لسنوات طويلة في عدة تشكيلات حكومية، ولم تكن المحاضرة تنظيراً فكرياً فقط لأزمة العجز القادمة بتقدير المحاضر ومعظم المسؤولين الاقتصاديين.
أخطر ما جاء في المحاضرة هو استناد المحاضر إلى دراسة المجلس الأعلى للتخطيط عن التراجع المطلق والنسبي في مؤشرات الفساد بالدولة، ليقرر في ما بعد أن "معظم المتورطين في الفساد في القطاع العام هم شاغلو الوظائف العليا والقيادية"، ثم (وهنا مكمن العلة برأيي) ينتقل د. محمد ليقطع بـ"افتقار المجتمع الكويتي لنموذج القدوة في تطبيق القانون والعدالة..."، ويستمر الشيخ محمد الصباح في عرض حقائق اقتصادية، مثل أن نصيب الفرد هو الأكثر في الاستهلاك الحكومي من بين دول مجلس التعاون بعد قطر، وأن الحلول لإنقاذ الدولة من العجز المتراكم القادم لن يكون إلا بالخصخصة التي "... لا تعني شيئاً إذا انحصرت في نقل ملكية النشاط الاقتصادي من القطاع العام إلى الخاص، وإنما تكمن بديناميكية الخصخصة في تغيير أنماط الإنتاج القديمة لمصلحة أنماط أكثر إبداعاً..."، يمكن القول هنا كتعقيب على فكرة الخصخصة بالعبارات المنسوبة للزعيم الصيني الراحل "دينج هشياو بينج"، والذي نقل الاقتصاد الصيني من اقتصاد متخلف إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حين طرحت عليه فكرة خصخصة الاقتصاد قال "إنه لا يهم أن يكون الكلب أسود أو أبيض المهم أن ينبح..."، أيضاً يمكن القول، بعكس ذلك، بأن الخصخصة لو حدثت على الطريقة الكويتية بإدارتها السياسية القبلية والعائلية ودوائر النفوذ المهيمنة حول مركز القرار، فلن تكون الخصخصة كلباً ينبح محذراً إذا شاهد لصاً، وإنما فأر يقتسم ثروة البلاد مع بقية جرذان الدولة. فالمسألة تنحصر في مبادئ الشفافية والعدالة وسيادة حكم القانون، بمعنى المساواة حين نتحدث عن الخصخصة، فأنور السادات مثلاً خصخص الاقتصاد المصري عام 74 تحت باب قوانين الانفتاح، والسويد أيضاً خصخصت، ولنا أن نرى الفرق بين المثالين...!أعود إلى النقطة المثيرة في محاضرة الدكتور محمد الصباح، والتي يقرر فيها "بغياب القدوة في تطبيق القانون". هنا العلة وبؤرة المرض، كما ذكرت في مقالات عدة، فيستحيل أن نطالب الناس بالعطاء والتضحية، بينما تعجز الإدارة السياسية عن تقديم القدوة والمثال، كي يحتذي بها الناس، ففاقد الشيء لا يعطيه... وهذه مصيبتنا في هذه الإدارة وما سبقها من إدارات سياسية التي هي عاجزة في كل شيء عدا "دهان سير المتردية والنطيحة". لنقر بأننا نلفظ اسم الزعيم الصيني "بنج" وليس بينج، وهذا يعني التخدير إلى ما شاء الله في مسيرة الدولة.
أخر كلام
بنج وليس «بينج»
25-05-2014