تحدثت تقديرات رددتها بعض وسائل الإعلام الفضائية، قبل مبادرته لتشكيل تكتل سياسي لخوض معركة الانتخابات البرلمانية المقبلة، أن عمرو موسى سيخلف الأخضر الإبراهيمي في مهمة الوساطة العربية ووساطة الأمم المتحدة الممثلة بأمينها العام بان كي مون لحل الأزمة السورية، التي غدت أكثر تعقيداً من ذنب الضب، والتي مع الوقت قد تحوّلت من أزمة داخلية إلى أزمة إقليمية، ثم إلى أزمة دولية بين روسيا والولايات المتحدة في ضوء مستجدات المشكلة الأوكرانية التي عمّقت الخلافات بين هاتين الدولتين الكبيرتين، وأيضاً بين الشرق والغرب.

Ad

ولعل ما يجب أن يقال لـ"عمرو موسى" هذا الدبلوماسي المصري والعربي المخضرم، من قبيل النصيحة الخالصة لوجه الله، أنَّ عليه ألا يقترب من هذه النيران الملتهبة التي أحرقت أصابع الأخضر الإبراهيمي، الذي يُفترَض أنه يعرف، بحكم عوامل كثيرة، المعضلة الحقيقية للأزمة السورية، التي إذا كانت في السابق قد استعصت على كل مَن تصدى لحلها، فإنها أصبحت عصية وعسيرة على الحل حتى وإن تقدم لحلها ليس حلّالاً واحداً بل ألف حلّال.

عمرو موسى بالتأكيد يعرف أن رحلته السياسية الطويلة يجب أن تنتهي في بلده مصر، وأنه بعد كل هذه الأعوام من العمل في السلك الدبلوماسي وفي الجامعة العربية أميناً عاماً لها لا يجوز أن يُعرِّض نفسه لما تعرّض له الأخضر الإبراهيمي، الذي بذل جهوداً مضنية، لحل الأزمة السورية بالتفاهم والاتفاق ووضع نهاية لكل هذا العنف، الذي سببه أولاً وأخيراً التدخلات الروسية والإيرانية وتحويل بشار الأسد بلده إلى مسرح للصراعات الإقليمية والدولية.

لقد لعب عمرو موسى دوراً رئيسياً، يُشكَر عليه، في كل تطورات ما بعد ثورتي مصر، ثورة يناير وثورة يونيو، ولقد تردد أنه سيُكافأ باختياره إمَّا نائباً لرئيس الجمهورية أو رئيساً للوزراء، لكن مبادرته الأخيرة لتشكيل تكتل سياسي ضم عدداً من الرموز والفعاليات والكفاءات المصرية لخوض معركة الانتخابات البرلمانية التي باتت على الأبواب يعني أنه اختار الخيار الصحيح، وهو أن يكون رئيساً لمجلس الشعب المقبل الذي ينتظره دورٌ في غاية الأهمية لترسيخ المسيرة الديمقراطية في بلد من حقه أن يبدأ بداية صحيحة على هذا الطريق الذي غدا سلوكه خياراً مصيرياً لا خيار غيره.

والآن، وقد ثبت أن الأزمة السورية قد تحوّلت إلى حريق هائل، من الخطورة والمخاطرة الاقتراب منه، فإنه كان على الأخضر الإبراهيمي ابن الثورة الجزائرية العظيمة وأحد رموزها ألا يجازف ويعرِّض نفسه لما تعرّض له، وكان عليه أن يتجه إلى الداخل، أي إلى داخل الجزائر، وأن يستمر في مشاركته المبكرة في نهوضها كما شارك في ثورتها، خصوصاً أن هذا البلد قد ذاق مرارة الاقتتال الداخلي والعنف في سنوات العسرة التي عاشها في تسعينيات القرن الماضي.

كان الأخضر الإبراهيمي كعبدالعزيز بوتفليقة أحد الذين أحاطوا بالرئيس الجزائري الأسبق هواري بو مدين، الذي ترأس هيئة أركان الجيش الوطني الذي حقق ذلك الانتصار العظيم للثورة الجزائرية، التي تعتبر أهم ثورات القرن العشرين، ولهذا فإنها كانت مجازفة غير محسوبة العواقب أن يقبل الإبراهيمي المهمة الأخيرة التي كُلِّف بها كمندوب للأمم المتحدة والجامعة العربية، فالأزمة السورية تختلف كثيراً عن الأزمة اللبنانية التي كان أحد وسطاء حلِّها في مؤتمر الطائف، والتي ثبت أنها لم تُحل حتى الآن، وأن كل ما جرى كان بمثابة هدنة مؤقتة يبدو أنها قد وصلت إلى نهايتها بعد إرسال "حزب الله" ميليشياته للقتال ضد الشعب السوري بناءً على أوامر إيرانية.