ملف الفضيحة "المالي- سياسية" الجديدة التي فجرها النائب عبدالله التميمي بداية الأسبوع الجاري هو ملف جديد من ملفات الفضائح المتتالية في الكويت التي غرست، منذ سنواتٍ، الحياة السياسية – البرلمانية في وحل الفساد ومستنقع المال السياسي الذي لا "يبارح" مؤسساتنا الدستورية ويدمرها ويزعزع الثقة بها، ويدفع البلد كله إلى المجهول، دون أن تكون هناك إرادة حقيقية لمواجهة هذه الحالة الكارثية التي يعلم الجميع أنها ستستفحل، ولن يستطيع أكبر الفوائض المالية في المستقبل التصدي لتبعاتها وتداعياتها.
لا نريد أن نقسو على رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك المسؤول الأول دستورياً عن إدارة الدولة، ولكن لا يمكننا أيضاً أن نعفيه من المسؤولية، فالشيخ جابر ورث الوضع السياسي بأسلوب إدارة البلد والتعاطي بين الحكم وفئات النواب المختلفة، خاصة أن قطاعاً من السلطة لم يقبل منذ البداية بدستور 1962، وابتكر وسائله الخاصة لاختراقه وتكوين أغلبية برلمانية لـ"طمطمة" ملفات التجاوزات والفساد التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم من جمود وتخلف عن بقية الدول الخليجية المحيطة بنا، وتوالي قضايا التجاوزات بداية من أسهم شركة "سانتافي" وسرقات الاستثمارات الخارجية، مروراً بشبهات قطع غيار "الإيرباص" حتى قضية "الداو". ولكن رئيس الحكومة الحالي له ظروف مختلفة، إذ جاء إلى منصبه في أعقاب قضية الإيداعات، وما سمي بـ"القبيضة" وتحركات الشارع التي تزامنت مع ما أطلق عليه "الربيع العربي"، والذي كادت شظاياه تعصف بالكويت أيضاً، كما توفرت له فرص فريدة ومختلفة ليتصدى لما وصل إليه البلد من وضع حرج عبر قوانين مكافحة الفساد وكشف الذمة المالية التي صدرت بمراسيم ضرورة، وهي القوانين المعطلة فعلياً حتى الآن، والتي يحاول البعض اختراقها من خلال لوائح تنفيذية مهلهلة للقانون الذي لم يعتنِ به مجلس الوزراء ويعطِه الاهتمام والأولوية لإنجازه بالسرعة المطلوبة.هذا السلوك يوضح أن الشيخ جابر المبارك آثر السلامة وفضل أن يستمر على النهج القديم، وأدى ذلك إلى ضياع قانون كشف الذمة المالية، كما ضاعت قوانين من قبله لمواجهة ظاهرة تداخل المال والسياسة التي حولت الفساد في الكويت من مرض يمكن معالجته إلى داء خبيث، ولذلك ستتوالى قضايا "المرتشين" مادام أعضاء السلطات الثلاث الدستورية يوقّعون على عقود أملاك الدولة ويمنحون أو يشترون، لا فرق، مزارع وشاليهات وقسائم الدولة، ولا يقدمون بيانات عن الذمة المالية، ويمارسون التعامل التجاري مع الحكومة وفي البورصة والمجال التجاري خلال تولي المناصب العامة التي تتداخل فيها المصالح ويختلط فيها العام بالخاص والمنفعة العامة بمنفعة الأسرة والجماعة والطائفة والقبيلة.ما يحدث من فضائح مالية متتالية هو حالة مستمرة من زعزعة أساسات البلد، وإضعاف مناعته ضد الفساد إلى الحد الأدنى حتى يفتك به الداء الخبيث المتمثل بالفساد ونهب مقدرات الوطن ووضعه في حالة تصفية عامة لكل من يستطيع أن يأخذ أكبر حصة ممكنة من خيراته وثرواته، ليصور الجميع بعد ذلك بالمرتشين، وتتكون النظرة العامة في هذا الإطار، فتعم الفوضى وعملية النهب المنظم للبلد، وهي الحالة التي تسبق الانهيار التام، وهو ما حذر منه الكثيرون وطالبوا بقوانين صارمة لكشف الذمة المالية وضبط استخدام المال في الحياة السياسية، وبصورة خاصة الإنفاق الانتخابي، ولكن دون استجابة من الطبقة السياسية المسيطرة، سواء في مرحلة ما قبل "الصوت الواحد" أو بعدها، ولذلك فلن يجدي استجواب أو لجنة تحقيق برلمانية في معالجة قضايا المال السياسي، بل المطلوب تحرك شامل لمواجهته قبل فوات الأوان.
أخر كلام
«الخبيث»... يفتك بالديرة!
17-04-2014