تعود إلينا من جديد السلطة الحاكمة - وكأنها لا تريد أن تتوقف - عبر تصريحات وزير الداخلية بالتهديد والوعيد عن قرب سحب جناسي لمواطنين، وكأن المواطنين أحمد جبر الشمري وعبدالله العجمي أو من سبقهما في باب العقوبات دون أحكام من قضاء محايد قد قُذِف بهم إلى هاوية النسيان، وكأن المواطنين الذين لم يعودوا مواطنين مجرد كلمات أو أرقام كُتِبت خطأً من طالب على سبورة صف أطفال بمدرسة، وقرر الأستاذ الولي إصلاحها ومسح الأسماء بالممحاة، فلم يعد لهم وجود قانوني، ولم يعد لهم مكان في هذه "الدولة"، كانوا كلماتٍ وأرقاماً مُسِحت من لوح الوجود. قرر أصحاب السعادة من شيوخنا، فجأةً، أن هناك خطأً ما وقع، حين مُنِحت الجناسي للبعض في زمن قديم، وصحت سيادة القانون من غفوتها الطويلة لتضع الأمور في نصابها الصحيح!

Ad

غريب أمر هذا القانون، فهو كان ومازال غائباً عن مصائب كبرى، سرقات ونهب واستغلال نفوذ حدثت منذ عقود طويلة ومازالت تسير على قدم وساق، ومحسوبيات في تنفيع "المُؤلَّفة قلوبهم" من المال العام ومن أملاك الدولة، لم يكن أولها، لا آخرها، توزيعات كعك الأراضي الزراعية، ومع ذلك كان القانون ينظر إليها بعين الرضا، وهي "عن كل عيب كليلة"، مهما كانت ضخامة هذا العيب الجارح، ومهما استنزف من رصيد الباقي من عمر الدولة وأعمار أطفالنا، لكن عين "السخط" على المخالفين للرأي السلطوي المنفرد بالقرار السياسي هزت رجال السلطة كي يصحوا من غفوتهم ليحركوا سياط القانون الآن…  

كيف يمكن وصف ما يجري وما يتداوله الناس اليوم عن سحب وإسقاط الجناسي بغير ممارسة الاستغفال من أصحاب القرار على الناس الغافلين، ليس وصف التخويف أو الترويع كافيين لمن "تسول له نفسه" الاعتراض على أهل الحل والعقد، بل استغفالنا بثرثرة بأن "هؤلاء" الذين "تنعموا" بالجنسية دون وجه حق في السابق، سيدفعون أثمان نكران الجميل عندما تمردوا على النعم.

بهذا الاستعباط لوعي الناس تمرر السلطة مسوغاتها لإعدام الوجود القانوني لمواطنين معارضين، هم وحدهم - حسب موسوعة الحكم القانونية- ودون شريك من كبار السلطة، من قاموا بالتزوير والتلاعب بملفات الجنسية وحصلوا على مفاتيح جنات الجنسية دون معرفة وعلم من الكبار، الذين ندري وبيقين مطلق أنهم هم "أهل القرار السيادي" وليس غيرهم من تلاعب بهويات المواطنة بتاريخ مضى بمنحها لمن لا يستحق أو منعها عمّن يستحق وفقاً لسياسة مصلحة الحكم دون مصالح الأمة... بهذا اللامنطق والتصغير لعقولنا تمرر السلطة أسبابها لإيقاع تلك العقوبات على حرية الرأي... فهل نصدقها؟! كفاية واصحوا يا ناس!