لا للخصخصة
بعد الأزمة الاقتصادية الرأسمالية التي تفجرت عام 2008 تخلت دول كثيرة عن السياسات الاقتصادية النيوليبرالية، ومن ضمنها الخصخصة التي أثبتت التجارب العملية في العالم خلال العقود الثلاثة الماضية فشلها بعد أن سببت مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية.الفشل الذريع للسياسات النيوليبرالية المتوحشة التي تدعو إلى السوق المنفلت من دون ضوابط وإلغاء الدعم الحكومي للسلع والخدمات الأساسية والتي روّج ويروج لها، ويطالب بتطبيقها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، جعل كبار منظريها ودعاتها، حتى في الكويت، يطالبون بتدخل الحكومة لإنقاذهم ليس من خلال ضخ الأموال العامة في حالة الطوارئ فقط مثلما كان يحصل في السابق، بل المشاركة الفعلية هذه المرة في ملكية الشركات الخاصة وإدارتها، وهو ما كانوا يرفضونه رفضاً قاطعاً قبل تأزم أوضاعهم المالية عندما كانوا يحققون الأرباح الضخمة.
من جانب آخر فإن فشل الخصخصة وكارثية المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي ترتب عليها مثل البطالة والفقر واتساع الفوارق الطبقية واختلال العدالة الاجتماعية وتهديد الديمقراطية، جعل كثيراً من الدول تبحث بجدية عن مدارس اقتصادية جديدة وأفكار ابتكارية مبدعة تُفعّل دور الدولة في النشاط الاقتصادي، كما طُرحت أيضا بدائل أخرى ناجحة وذات طبيعة اجتماعية راقية مثل فكرة التعاونيات التي يملكها عامة الناس وتقوم بخدمة المجتمع بالدرجة الأولى، فهدفها ليس الربح المادي المباشر ولا تقتصر على التعاونيات الاستهلاكية، بل تشمل أيضا التعاونيات المالية (تنافس البنوك التجارية) والتعاونيات الزراعية.بناء على ما سبق فإن تصريح السيدة هند الصبيح وزيرة الدولة لشؤون التخطيط والتنمية، عن نية الحكومة خصخصة الجمعيات التعاونية وجزء من الخدمات الصحية والتعليمية يعتبر عودة إلى الوراء، أي بعكس التوجه العالمي الحالي وتنفيذاً حرفياً لإملاءات و"روشتة" صندوق النقد الدولي التي ثبت فشلها الذريع، وتخلت عنها كثير من الدول التي لديها اقتصاد إنتاجي وقطاع خاص منتج وضخم وسوق واسع، وهو ما يختلف اختلافا كليا عن وضع الكويت، حيث الاقتصاد الريعي والسوق المحدود والقطاع الخاص الصغير والمُحتكر (عائلي في الغالب) وغير الإنتاجي، حيث يتركز في قطاع الخدمات الاستهلاكية، ويعتاش بشكل شبه كامل على الإنفاق العام والدعم الحكومي السخي.صحيح أن ملكية الجمعيات التعاونية حالياً تعتبر ملكية اجتماعية عامة (شعبية أو أهلية) لا تستطيع الحكومة بيعها مباشرة، ولكن مشروع الحكومة الذي يدعمه كبار أصحاب رؤوس الأموال هو تحويل الجمعيات إلى شركات تجارية مساهمة تهدف إلى الربح، أي خصخصتها بشكل غير مباشر، بحيث تتمكن مستقبلا مجموعة قليلة أو مجاميع تجارية معينة من السيطرة على مجلس الإدارة وتوجيه سياسات الشركة لمصلحتها كما هي الحال في كثير من الشركات المساهمة الموجودة حالياً. وصحيح أيضاً أن الوضع الحالي للجمعيات التعاونية وضع سيئ، فهناك من دون شك فساد مالي وإداري تشير إليه دائما تقارير وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ولكن أليس ذلك انعكاساً للوضع العام في البلد، وهو ما يتطلب إصلاحاً جذرياً سريعاً على المستويات كافة مع ضرورة البدء بالإصلاح السياسي الذي يعتبر نقطة الإنطلاق لأي إصلاحات أخرى؟ ثم من قال إن الفساد غير موجود في القطاع الخاص بشكل عام والطفيلي بشكل خاص، وهو فساد نتائجه أكثر كارثية على الدولة والمجتمع من الفساد الحالي المرفوض، والموجود في الجمعيات التعاونية، والذي يمكن علاجه بسهولة إن توافرت الإرادة السياسية ووجدت أجهزة كفؤة وفاعلة للرقابة العامة؟