الانفجار الشعبي الغاضب ضد تصريحات الحكومة بشأن "دولة الرفاه" له مدلول سياسي خطير يجب أن يؤخذ بجدية فائقة، خصوصاً إذا قارنا حجم التفاعل العفوي مع هذا الطرح الاستفزازي في ظل تراجع الحراك السياسي إلى حد الجمود التام، وكأن الحكومة تتعمد التحرش بالمواطنين، وتتمنى عودة النبرة الحادة للمعارضة إلى السطح.
نعم ميزانية الدولة تعاني اختلالات جسيمة في إدارة المالية العامة، ومنهجية الإنفاق التقليدي للأموال العامة سوف تصطدم بحائط الإفلاس، وإن بقيت أسعار النفط على حالها الجيد على المدى الطويل، لسبب بسيط جداً هو الزيادة الطبيعية في عدد السكان وبالتبعية تضاعف احتياجاتها في كل شؤون الحياة، الأمر الذي يجعل من مقولة "فلوسنا ما راح تكفينا" حقيقة قائمة. ولكن السؤال الصريح هل يجب أن يدفع الشعب الكويتي وخاصة الأجيال القادمة ضريبة عجز الحكومة عن تنويع الإيرادات وزيادتها؟ وأين كانت مشاريع الدولة وخططها وشعاراتها التي لقنوها لنا في المدارس منذ سبعينيات القرن الماضي، وفي الخطب الرنانة بكل مناسبة بضرورة تنويع مصادر الدخل؟ وأين ذهبت المليارات المتراكمة من الفوائض النقدية لمبيعات النفط والتي تفوق حجم ما أنفقته الدولة منذ الاستقلال في عام 1961؟أما السؤال الأخطر الذي يجب أن يتحول إلى تحدٍّ كبير لكبار المسؤولين، فهو هل كنا بالفعل نموذجاً واقعياً لمفهوم "دولة الرفاه"؟ وهل مؤشرات الديون الشخصية للمواطنين وطوابير الكويتيين على بيت الزكاة، وأعداد الأسر التي تسكن بالإيجار ووضع المستوى التعليمي والخدمات الصحية وزحمة الشوارع وطابور الانتظار على أبواب الخدمة المدنية أرقام تعكس "حالة الرفاه" في دولة غنية وصغيرة مثل الكويت؟أين الموقف الحكومي من الدستور الكويتي الذي ينص صراحة ودونما لبس على مسؤولية الدولة المباشرة في توفير الخدمات المدنية الرئيسة، ومنها الصحة والتعليم والسكن والتوظيف والرعاية الاجتماعية وإعاشة المتقاعدين، وهي الدعامات الأساسية لمفهوم "الرفاه"؟ وهل وصلت الجرأة الحكومية إلى حد تجاوز دستور 1962 وهو ذات الوثيقة التي ضمنت وجودها ووضعها المهمين على السياسة العامة للدولة!دول العالم المتحضرة والمسؤولة تتبع اليوم استراتيجيات معقدة لمفاهيم "الرفاه" المرتبطة بالتنمية المستدامة، وتنويع مصادر الدخل اعتماداً على المورد البشري، وعلاقة ذلك بالمشاريع التشغيلية ذات الإنتاجية والكفاءة العالية، ونفس هذه الدول تبدأ بمحاسبة المسؤولين الكبار في حال فشلهم في ترجمة خططها وبرامجها، ناهيك عن التصدي بحزم ضد الفساد المالي والجرائم المنظمة لنهب ثروات الشعوب، فهل تملك الحكومة مثل هذه الرؤية أو تحتضن الرجال القادرين والمؤهلين لحمل هكذا أمانة، أم أنها فقط تسقط كل إخفاقاتها وفشلها على رأس الناس لأنهم الحلقة الأضعف، فما نريده فعلاً "حكومة رفاه" وليس "دولة رفاه"!
مقالات
«حكومة الرفاه»!
01-11-2013