لقد قال الشعب كلمته ويجب أن يصغي السياسيون إليه، ويجب أن يكون هذا الموقف محور الرد على نتائج الانتخابات المحلية والأوروبية التي شهدت موجة من المشاعر الشعبية والمضادة للأفكار السائدة في أنحاء بريطانيا وفي معظم أجزاء القارة.
لكن لا بد من طرح هذا السؤال: كيف يمكن أن يثبت قادتنا أنهم يصغون إلى شعبهم فعلاً؟ إذا أردنا أن نأخذ نتائج الانتخابات الأوروبية كمؤشر على حقيقة الوضع- تنامي نفوذ حزب الاستقلال البريطاني وانهيار حزب الليبراليين الديمقراطيين- فسوف نستنتج أن أفضل طريقة لتجديد التواصل مع الناخبين تقضي بالتعهد بمهاجمة بيروقراطية بروكسل.لكن في الوقت نفسه يتعلق أحد الأسباب التي تبرر الازدراء الذي يكنّه الكثيرون تجاه السياسيين باعتيادهم على الإفراط في إطلاق الوعود مقابل تحقيق القليل منها، في أغلب الأحيان يكون الاعتدال المسار الأفضل: في ما يخص بروكسل تبدو البراغماتية الحذرة التي يطبقها ديفيد كاميرون- التعهد بالإصلاح تزامناً مع التحذير من أنه سيشمل فترة طويلة من المفاوضات الصعبة- أقل إرضاءً من مواقف الاستنكار المريعة، لكنها أكثر واقعية.تتعقد هذه المعضلة في ملف توافد المهاجرين تحديداً، فيشعر الناخبون بالاستياء بسبب عجز قادتهم عن كبح هذه الموجة، وهم محقون في ذلك، لكن ارتفعت نسبة الهجرة إلى مستويات قياسية خلال السنة الماضية بسبب حرية التنقل داخل الاتحاد الأوروبي، وهو أمر لا نستطيع السيطرة عليه. هل يجب أن يطلق السياسيون وعوداً جدية بالتحرك قبل أن يتبين أنّ تنفيذها هو أمر مستحيل عملياً؟ أم يجب أن يفسروا أنهم يفعلون ما يقدرون عليه ضمن حدود التحالف والقانون؟في مقابلة مع قناة "بي بي سي"، اتخذت تيريزا ماي هذا المسار الأخير، فاعترفت وزيرة الداخلية البريطانية بأن التحالف مع حزب "الليبراليين الديمقراطيين" صعّب عليها تحقيق كل ما كانت تتمناه، لكنها أشارت إلى نجاح الإصلاحات التي فرضتها الحكومة، وتحدثت عن خطط جديدة لكبح وصول المهاجرين بهدف الاستفادة من نظام الرعاية الاجتماعية. لكنها قللت أيضاً من شأن الالتزام بتخفيض نسبة توافد المهاجرين إلى عشرات الآلاف وجعلته مجرد هدف يمكن السعي إلى بلوغه. لم يعد هذا الهدف منطقياً نظراً إلى استحالة تحقيقه، لكن سيعتبر ناخبون كثيرون أنه وعد آخر لم يلتزم به السياسيون.كيف يمكن تدوير الزوايا إذاً؟ بحلول عام 2015 ستقوم بريطانيا بخيار مدروس، وستصبح "الحكومة الناضجة" التي طرحها المحافظون اقتراحاً مقنعاً، لكن يجب أن تطعّم جميع الأطراف اقتراحاتها بمزيد من الصدق والتواضع والشفافية، ويمكن البدء بضمان تجدد الاقتراحات التي تسمح بعزل النواب الذين انحرفوا عن المسار الصحيح، والعمل على تقوية تلك الاقتراحات.كان تجريدهم من سلطتهم مؤشراً على سعي وستمنستر إلى وضع مصلحتها فوق كل شيء، مما أدى إلى إفساد العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
مقالات - زوايا ورؤى
الشعب قال كلمته... وعلى أوروبا أن تسمع!
28-05-2014