الاتفاقية الأمنية ومن يعارضها
• مع أن موضوع الاتفاقية الأمنية الخليجية موضوع ساخن بامتياز، إلا أنه يحتاج إلى نقاش هادئ.• أيهما له الأولوية، البعد الأمني أم البعد الإنساني؟ وهل بالإمكان التوفيق بينهما؟ أم لابد أن يكون أحدهما على حساب الآخر؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي تفتحه الاتفاقية والجدل الدائر حولها على مصراعيه، فلو كان الناس مطمئنين، واثقين بأن النصوص الغامضة، المائعة، العائمة، الحمالة للأوجه، سيتم تفسيرها لمصلحة الإنسان، وحماية حقوقه، ما كان هناك داع للاعتراض من الأساس، لكن الإشكالية أن المسالة عكس ذلك.
• ثنائية «الإنساني» مقابل «الأمني» هي ثنائية مطروحة دائماً، ليس عندنا فقط، ولكن حتى في المجتمعات الغربية، ففي أميركا هناك جرح مفتوح اسمه «غوانتنامو»، وفي الاتحاد الأوروبي هناك قضايا التدخل العسكري والمهاجرين، فالمدرسة الأمنية تضع للأمن مكانة عليا، فتكون له أولوية طاغية على كل الأولويات، وبالتالي يأتي الهم الإنساني في درجة دنيا، حتى أدنى من البعد الاقتصادي، أما الفارق فهو أن لديهم هناك شيئاً من ضوابط، وحرية حركة، تسهم في تحييد الاندفاع الأمني، وإيقافه عند حده، فمجلة «نيويوركر» الأميركية والصحافي سيمور هيرش هما من كشفا فضائح وفظائع سجن أبوغريب، ومن ثم تم إجراء التعديلات المطلوبة. • الاتفاقية الحالية التي بين أيدينا هي محاولة لتطوير البعد الأمني، فهي أفضل بمراحل «نصاً» من اتفاقية ١٩٩٤، ولكنه تطوير على سبيل التدليس والمراوغة، ومحاولة التكيف مع التطورات الدولية، والتعامل مع «حالة مزعجة» اسمها «دستور الكويت»، الذي ينص صراحة على حريات لا تقبل القسمة على ثنائية «الأمني والإنساني»، إلا من خلال طغيان الفهم الأمني وإلغاء الاعتبار الإنساني.• لذا لن يجد مؤيدو الاتفاقية أمامهم لتبريرها إلا الاستشهاد بالأوضاع المضطربة في المنطقة، وأهوال سورية، ومآسي العراق، وضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار. منطق سياسي أمني معروف مكرر، قاده على سبيل المثال، المحافظون الجدد، الأميركان من ريتشارد بيرل وولوفويتز ورامسفيلد وحربهم الاستباقية، فما جلبوا للمنطقة إلا الدمار والمزيد المزيد من المآسي الإنسانية، فلا هم حافظوا على أمن، ولا هم عززوا استقراراً، ولا احترموا كرامة لإنسان.• هناك حاجة ماسة لاستعادة ثقة مفقودة في الأولويات، ومن الواضح أن الاتفاقية الأمنية الخليجية لن تسهم في استعادة تلك الثقة، بل ستزيد من إضعافها، وحيث إننا صرنا محطة تجارب بشعة للحلول الأمنية المستمرة، والتي نشارك فيها بكل قوانا العقلية والجسدية، أما آن الأوان لأن نبدأ بطرح تصورات جديدة ذات بعد إنساني؟