تكثر في هذه الأيام الأغاني التي تعكس كلماتها إذلالا للمرأة، فمن فتحي حمدي الذي يصرخ في إحدى أغنياته: «واديني كاسر عينيكي»، إلى تامر حسني الذي يغني: «أنا سي السيد... اللي أقوله تعمليه... اللي أقوله تمشي عليه»... مقاطع تحطّ من قيمة المرأة، وتعكس القيمة الفكرية لهؤلاء المؤلفين والمطربين. ما الذي شجع على انتشار هذه الظاهرة المسفّة بحق المرأة، وهل التغيير الاجتماعي الذي يعصف بمصر سمح بظهور أغانٍ هابطة إلى هذه الدرجة؟

Ad

تحقّر الأغاني الشعبية المنتشرة في وسائل الإعلام المرأة وتسخر منها، وتتعامل معها بوصفها كائناً ناقصاً ومقهوراً، أو تصفها بعبارات مهينة أخلاقياً كأغنية «إنت طلعت شمال» للمطرب إيساف.

الأمر الأكثر تعجباً أن المطربين الـ «سوبر ستار» نسفوا قيمة النساء في كلمات أغانيهم اتساقاً مع ثقافة شعبية تتوارثها الأجيال وترسِّخ فكرة التقليل من قيمة المرأة، فأغنيات عدة عكست النظرة الذكورية في المجتمع، واعتبرت المرأة كائناً يجب فرض وصاية عليه، ففي مقطع من أغنية «أنا سي السيد» لتامر حسني، يقول: «إصرارك على المقارنة بينا بيضيع من عيني أنوثتك}.

ثقافة متوارثة

ليس الرجال وحدهم الذين أطاحوا بقيمة النساء في كلمات أغانيهم، فالمرأة عدوة نفسها، إذ قللت من شأنها وروجت للمرأة باعتبارها كائناً ضعيفاً يتحكّم بها الرجل، لعل أبرزهن دنيا سمير غانم في أغنيتها «واحدة تانية خالص» تقول فيها: «والتعليمات بالحرف هأنفذها ما هو خلاص سيطر على حياتي وكمان بينقي صحباتي»، ما فتح عليها أبواب الهجوم، كون الأغنية تروج للنظرة المنحطة للنساء وعالمهن.

وما ساعد على ترويج تلك النظرة عدم الوعي الكافي لدى المطربات اللواتي روجن، من خلال كلمات أغنياتهن، صورة بالية للمرأة المصرية، تخالف واقعها الحالي، خصوصاً بعد الحراك السياسي وموجة من الحريات اللذين رافقا ثورتي 25 يناير و30 يونيو، والمشاركة الفعالة للمرأة  فيهما وظهور رموز نسائية كبيرة ضمنهما.

للأسف لم ينعكس هذا الحراك على الفن عموماً والأغنيات خصوصاً، بل سجلت الأخيرة انخفاضاً ملحوظا في المستوى، لا سيما الأغاني الشعبية الشهيرة بـ «أغاني الميكروباص»، وقد عزا البعض ذلك إلى كونها تعكس الواقع المضطرب الذي يعيشه المجتمع اليوم، مع ظهور مفاهيم ومصطلحات ترتبط بالأحداث ويعيشها الشارع، شوهت  الأفكار وأهدرت القيم، ومن ثم تركت آثارها وهو ما يمكن تلمسه عبر تلك الأغنيات الشديدة الانحطاط.

الربح أولاً

يرى الشاعر الغنائي عادل سلامة أن صانعي «الأغاني البذيئة»، لا يدركون قيمة المرأة في مجتمعها، فهي لا تمثل لديهم سوى وعاء للتكاثر البشري، مهمتها تكوين أسرة ورعايتها، ترتيب المنزل وإعداد الطعام للعائلة والامتثال بلا مناقشة لأوامر الزوج.

يضيف أن نساء كثيرات، للأسف، يقللن من قيمة المرأة من دون أن يدرين، ولا يعرفن أبسط حقوقهن أو أهم قضاياهن الاجتماعية.

يربط سلامة ظهور تلك النوعية من الأغاني بقيام الثورة، مشيراً إلى أن المجتمع بعد الحراك السياسي والثوري على مدار ثلاث  سنوات، يحاول «الهروب والتوهان» في تجارب حتى لو كانت منحطة وقليلة القيمة الفنية، ونتيجة لعدم خبرته الفكرية والثقافية تظهر تلك السقطات الفنية، مؤكداً أنه في أعقاب ثورة 1919 ظهرت، إلى جانب الأغاني الوطنية، أغنيات وأوبريتات مثل «بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة» لسيد درويش، رغم ما كانت تعيشه مصر وقتها من حراك سياسي.

بدأت محاربة الأغنية الهابطة منذ زمن بعيد، حين شكل الموسيقار محمد عبد الوهاب لجنة وظيفتها تحري الدقة والموضوعية حيال الكلمات والألحان القديمة، ولكن الأغنية الآن {تبحث عن الربح أولاً}، من وجهة نظر الشاعر المصري إبراهيم عبد الفتاح الذي يؤكد أن ثمة اتفاقاً كاملا بين ظاهرة الأغاني المهينة للمرأة وظاهرة التحرش.

يضيف: {بالتأكيد ثمة تناقض بين دور المرأة، منذ قيام الثورة، وبين تناولها في الأغنية التي حطت من قدرها وسلعت جسدها}، مشيراً إلى أنه ليس كل ما يظهر على السطح يعد معبراً حقيقياً عن المجتمع، كما هي الحال في المسرح أو السينما وحتى السياسة.

يعزو عبد الفتاح هذه الظاهرة إلى عوامل عدة  أهمها الربح والشهرة، وظهور وسائط جديدة روجت لتلك الأغنيات وصناعها، رغم ركاكتها وارتكازها على الإثارة ومخاطبة الشهوات، مقابل تراجع جمالية الكلمات والألحان، ما يشجع عديمي المواهب والوعي، على اقتحام هذا الفن بمباركة شركات إنتاج خاصة.

تقلّب مجتمعي

{ربما يكون الوضع المشوه للمرأة المصرية في الأغنية المصرية  مجرد {نتوءات مجتمعية} ستزول مع استقرار المجتمع فكرياً}، يؤكد الدكتور علي ليلة، أستاذ النظرية الاجتماعية بجامعة عين شمس، لافتاً إلى أن المجتمعات عقب الثورات تعيش ما يسمى بـ {التقلب المجتمعي}، فتخترقها مثل هذه السلوكيات والأفكار المشوهة، عبر مجموعات، يغني كل منها على ليلاه، فثمة من يحث على التطرف الديني وآخر الفكري، وثالث يطالب بالمساواة للمرأة في المجتمع، ورابع يبرر التحرش بالنساء، فيما القسم الأكبر من المجتمع يعود إلى مزاجه الأساسي مسترجعاً عقله الجمعي لمبادئه وقيمه الأساسية.

يضيف: {المجتمع حالياً يمزج بين مشهدين، أحدهما يطالب بتعزيز المرأة وقيمتها المجتمعية بل وتشارك النساء والناشطات والحقوقيات في انتزاع حقوقهن السياسية، والثاني يحقر من شأن المرأة ويضعها في قالب {الكائن الذي يجب السيطرة عليه دائماً}. في النهاية  يبقى المستمع صاحب القرار في الحد من ظواهر الإسفاف الغنائي في المجتمع}.