في ضربة أمنية قوية لـ«حزب الله» اللبناني، وبينما كان أمين عام الحزب حسن نصرالله يجري مقابلة متلفزة نادرة على إحدى الشاشات المحلية، قام مسلحون مجهولون باغتيال القيادي الرفيع في الحزب حسان هولو اللقيس، المقرب من نصرالله، في منزله بمنطقة الحدث المحاذية لضاحية بيروت الجنوبية، والتي تعتبر بعض أطرافها مناطق أمنية خاضعة مباشرة للحزب.

Ad

جاء ذلك بعد الهجوم الانتحاري المزدوج الذي ضرب السفارة الإيرانية في بيروت في 19 نوفمبر الماضي، والتي يشارك حزب الله بشكل فعال في تأمينها وحمايتها، وبعد ان شهدت مناطق تخضع لسيطرة الحزب هجمات بالسيارات المفخخة والصواريخ، على خلفية ارسال الحزب الشيعي آلاف المقاتلين الى سورية للقتال الى جانب نظام الرئيس بشار الأسد ضد الثورة على نظامه التي تتخذ طابعا سنيا. 

 

بيان «حزب الله»

 

وقال الحزب، في بيان أمس، «قرابة الساعة الثانية عشرة من مساء الثلاثاء، تعرض أحد قادة المقاومة الإسلامية الأخ المجاهد الحاج حسان هولو اللقيس لعملية اغتيال أمام منزله الكائن في منطقة السان تيريز- الحدث وهو عائد من عمله فقضى شهيدا والتحق بقافلة الشهداء النورانية. إن الأخ القائد الشهيد حسان اللقيس أمضى شبابه وقضى كل عمره في هذه المقاومة الشريفة منذ أيامها الأولى وحتى ساعات عمره الاخيرة، مجاهدا، مضحيا ومبدعا وقائدا وعاشقا للشهادة، وكان أبا لشهيد ارتفع مع كوكبة الشهداء في حرب تموز 2006».

وتابع البيان: «إن الاتهام المباشر يتجه الى العدو الإسرائيلي حكماً، والذي حاول أن ينال من أخينا الشهيد مرات عديدة وفي أكثر من منطقة، وفشلت محاولاته تلك إلى أن كانت عملية الاغتيال الغادرة، وعلى هذا العدو أن يتحمل كامل المسؤولية وجميع تبعات هذه الجريمة النكراء، وهذا الاستهداف المتكرر لقادة المقاومة وكوادرها الأعزاء. إن مقاومتنا المجاهدة والتي قدمت خيرة قادتها ومجاهديها على طريق الحرية والكرامة، تعلن اليوم لشعبها الأبي والمضحي شهادة هذا القائد العزيز والحبيب. وتتقدم من عائلته الشريفة الصابرة بأسمى مشاعر المواساة والاعتزاز في آن، سائلين المولى عز وجل أن يتقبله في الشهداء، وأن يجمعه مع ساداته الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين».

 

خمس رصاصات 

 

وذكرت مصادر أمنية أن «اللقيس أصيب بخمس رصاصات في منطقة الرأس والعنق من مسافة لا تتعدى المترين من مسدس عيار 9 ملم مزود بكاتم للصوت»، لافتا إلى أنه «تتم معاينة الرصاصات الخمس الفارغة من قبل المباحث الجنائية، في محاولة لمعرفة مصدر هذه الرصاصات من خلال الرقم التسلسلي الذي تحمله». وأشارت المصادر الى أن «اللقيس كان يعمل في قسم التكنولوجيا والاتصالات في الحزب، وكان له دور كبير في إصلاح شبكة اتصالات الحزب وإعادة تأهيلها بعد حرب تموز 2006». وأفادت قناة المنار، التابعة للحزب، بأن «اللقيس تعرض لاطلاق نار من اسلحة كاتمة للصوت بعيد ركنه سيارته في الطبقة السفلية من المبنى الذي يقطن فيه»، مرجحة ان «يكون المنفذون أكثر من شخص، وتسللوا الى المكان عبر سور خلفي وغادروا بالطريقة نفسها».

وعرضت القناة لقطات اظهرت آثار اقدام ملطخة بالوحل على الاسفلت في المكان، من دون اي اثر لسيارة اللقيس، كما ظهرت على حائط قريب آثار لرصاصتين.

 

شهود عيان 

 

وذكر علي فارس، احد سكان المبنى الذي كان يقطن فيه اللقيس، ان نجله رأى شخصين غير واضحي المعالم يفران في الشارع قرابة منتصف ليل الثلاثاء - الاربعاء، مضيفا لـ»فرانس برس»: «نزلنا الى الطبقة السفلية ووجدنا الشهيد داخل السيارة التي كان بابها مفتوحا. يبدو ان الفاعلين قتلوه لدى محاولته الترجل منها».

واقيمت مراسم تشييع اللقيس بعد ظهر أمس في مدينة بعلبك (شرق)، التي تعد معقلا لحزب الله، بمشاركة الآلاف، ولف النعش بعلم حزب الله، وتقدم موكب التشييع شبان يحملون اعلام الحزب تحت المطر، بمشاركة عناصر بزيهم العسكري.

وتعرض عدد من قادة الحزب للاغتيال، واغتيل المسؤول العسكري عماد مغنية في فبراير 2008 بتفجير سيارة مفخخة في دمشق، ويعد مغنية أرفع القادة العسكريين للحزب، وكان ملاحقا منذ عقود من اجهزة استخبارات دولية ابرزها اجهزة الولايات المتحدة التي تتهمه بالمسؤولية عن تفجير مقر للمارينز قرب مطار بيروت عام 1983، راح ضحيته اكثر من 240 جنديا. وفي يوليو 2004، اغتيل القائد في الحزب غالب عوالي بواسطة سيارة مفخخة في الضاحية الجنوبية لبيروت.

 

كندا 

 

وكشفت صحيفة «ناشيونال بوست» الكندية أن اللقيس كان يقيم قبل عشر سنوات في مدينة فانكوفر الكندية، حيث كان يشارك في تجنيد شبان قبل ان تكتشفه السلطات وتبعده عن البلاد.

 

تبنٍّ

 

وتبنت جماعة مجهولة، أطلقت على نفسها اسم «لواء أحرار السُنة بعلبك»، اغتيال اللقيس، في سلسلة تغريدات عبر «تويتر»، تلاها تحذير لنصر الله من «وضع أهل السنة في بنك أهدافه الداعم للمشروع الصفوي الهادف إلى الهيمنة على لبنان». وبعد هذا الإعلان رصد بيان موقع باسم مجموعة مجهولة أخرى، أطلقت على نفسها اسم «كتيبة أنصار الأمة الإسلامية»، تتبنى فيه العملية نفسها، تحت عنوان «غزوة الضاحية الجنوبية». ووصف البيان اللقيس بأنه «واحد من طواغيث حزب الشيطان والمسؤول المباشر عن مجزرة القصير»، كما ورد في البيان. ووعدت الكتيبة، في بيانها، بـ»ببيان واف عن هذه الغزوة عما قريب».

 

إسرائيل تنفي 

 

ونفى المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية يغال بالمور أمس أي علاقة لبلاده باغتيال اللقيس، مضيفا: «لا علاقة لإسرائيل بهذا الحادث»، معتبرا أن «حزب الله أطلق اتهامات تلقائية مبنية على رد فعل فطري. فالحزب لا يحتاج إلى أدلة ولا إلى وقائع بل يكتفي بتحميل إسرائيل مسؤولية أي شيء». 

من جهته، قال وزير الطاقة الإسرائيلي سيلفان شالوم: «ليس لاسرائيل اي علاقة بذلك حتى لو اننا لسنا حزينين كثيرا»، متابعا: «السلفيون هم من قاموا بالعمل».

وبحسب شالوم فإن الاغتيال يشكل «ضربة قوية لحزب الله الذي يحاول أن يظهر عملية الاغتيال هذه كجزء من حرب لبنان الدفاعية ضد إسرائيل، لإخفاء الاقتتال الداخلي في لبنان والانقسامات حول الوضع في سورية».

 

إيران

 

في المقابل، اتهم مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان «تيارات صهيونية» في المنطقة باغتيال اللقيس، عبر استخدام «التكفيريين». ونقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية «إسنا» عن عبد اللهيان قوله: «من الطبيعي أن تقوم تيارات صهيونية في المنطقة بتمرير أجنداتها المخططة مسبقا، وهي شن الضربات ضد جبهة المقاومة باستخدام التكفيريين»، وأكد عبداللهيان، الذي زار بيروت بعد تفجير السفارة الإيرانية قبل أيام، ان «جبهة المقاومة ستبقى في المنطقة أقوی من أي وقت مضی لتحقيق مصالحها، وأن تؤدي دورها البناء في التطورات الإقليمية».

 

نظام الأسد 

 

وفي دمشق، أدانت الحكومة السورية الموالية لنظام الرئيس بشار الأسد أمس بشدة اغتيال «القائد في المقاومة الوطنية اللبنانية حسان هولو اللقيس»، وحملت «العدو الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة النكراء والبغيضة».

 

سليمان 

 

وفي لبنان، ادانت قوى سياسية عدة اغتيال اللقيس، ورأى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في عملية الاغتيال «حلقة جديدة من محاولات اثارة الفتنة الطائفية والمذهبية وضرب حال الامن والسلم الاهلي في البلاد». 

واذ لفت الى أن «هذه الجريمة تصب في خانة الاهداف الإسرائيلية لتأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية»، دعا سليمان اللبنانيين الى «الوعي والتنبه لما يحاك من فتن متنقلة»، مشددا على «صوابية قرار تحييد انفسنا عن صراعات الآخرين للحفاظ على الامن والاستقرار».